للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: يا أمير المؤمنين، إن العباس عم المصطف جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، أمِّرْني على إمارة، فقال له النبي : (إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميرًا فافعل).

قال: فبكى هارون بكاءً شديدًا، وقال له: زدني رحمك الله.

قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي قال: (من أصبح غاشًا لرعيته لم يرح رائحة الجنة).

فبكى هارون وقال له: عليك دين؟ قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي. قال: أعني من دين العباد. قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، أمرني أن أوحده وأطيع أمره، فقال ﷿: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: ٥٦ - ٥٨].

فقال له: هذه ألف دينار خذها أنفقها على عيالك، وتقوّ بها على عبادتك. فقال: سبحان الله، أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا؟ سلَّمك الله ووفقك. ثم صمت، فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب قال: أبا العباس، إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، هذا سيد المسلمين.

فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت له: يا هذا، قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا المال فانفرجنا به. فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كثر (١) نحروه فأكلوا لحمه.

فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى أن يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس على السطح على باب الغرفة، فجلس هارون إلى


(١) لعله: كبر.

<<  <   >  >>