فاصبر أنت إن ضربت في الله ﷿ وكان خالد يُضرب المثل بصبره، فقال له المتوكل: ما بلغ من جَلَدك؟ فقال: أُملئ لي جراب عقارب، ثم أدخل يدي فيه، وإنه ليؤلمني ما يؤلمك، وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط، ولو وضعت في فمي خرقة وأنا أضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي، ولكني وطنت نفسي على الصبر، فقال له الفتح: ويحك مع هذا اللسان والعقل، ما يدعوك إلى ما أنت فيه من الباطل؟ قال: أحب الرئاسة، فقال المتوكل: ونحن خليفة، فقال له رجل: يا خالد، ما أنتم لحوم ودماء فيؤلمكم الضرب؟ قال: بلى، يؤلمنا ولكن معنا عزيمة صبر ليست معكم. وقال داود بن علي: لمَّا قدم بخالد اشتهيت أن أراه، فمضيت إليه فوجدته جالسًا غير ممكن لذهاب لحم إليتيه من الضرب، وإذا حوله فتيان، فجعلوا يقولون ضرب فلان وفعل بفلان، فقال: لم تتحدثون عن غيركم، افعلوا أنتم حتى يتحدث عنكم. [المنتظم ١١/ ٤٢ - ٤٣].
• وقال يحيى بن معاذ ﵀: سبحوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا، ثم سبحوا في بحار العطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ٢٥٨].
• وقال أبو عمرو الكندي: أغارت الروم على جَواميس لبشير الطبري ﵀ نحوًا من أربعمائة جاموس، فركبتُ معه أنا وابن له، فلقينا عَبيدَهُ الذين كانَتْ مَعَهُم الجواميس معهم عِصِيُّهم، فقالوا: يا مولانا ذهبت الجواميس فقال: وأنتم أيْضًا اذهبوا معها، فأنتم أحرار لوجهِ الله تعالى، فقال له ابنه: يا أبهْ أفقَرتنا. قال: إنّ ربّي اختَبرني فأردتُ أن أزيده. (١)[صفة الصفوة ٤/ ٤٥١].
• وقال الأصمعي: شهدت صالحًا المُرِّيَّ ﵀، عَزَّى رجلاً، فقال:
(١) قال ابن رجب ﵀: ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر: أنّ الكرب إذا اشتدّ وعظم وتناهى، حصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل عليه، كما قال تعالى: … ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣]. [جامع العلوم والحكم / ٢٦٤]