وكَثُروا عليه عنده، وقالوا: لا يَرى أيمانَ بيعتكم هذه بشيء، وهو يأخذ بحديث رواه عن ثابت ابن الأحنف في طلاق المُكرَه: أنه لا يجوز عنده، قال: فغضب جعفرُ، فدعا بمالك، فاحتجَّ عليه بما رُفعَ إليه عنه، فأمر بتجريده، وضَرْبِه بالسّياط، وجُبِذَتْ يَدُه حتى انخلعتْ مِن كتفه، وارتُكبَ منه أمرٌ عظيم، فوالله ما زال مالك بعدُ في رِفعة وعُلُوٍّ.
قال الذهبي ﵀: هذا ثمرةُ المحنة المحمودَة، أنها ترفعُ العبدَ عند المؤمنين، وبكل حال فهي بما كسبت أيدينا، ويعفو الله عن كثير:"ومَنْ يُرِد اللهُ بهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ"، وقال النبي ﷺ:" كل قضاء المؤمن خير له" وقال الله تعالى: ﴿ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ [محمد: ٣١]، وأنزل تعالى في وقعة أحد قوله: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ [آل عمران: ١٦٥] وقال: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]. فالمؤمن إذا امْتُحِنَ صَبَر واتَّعظَ، واستغفر ولم يتشاغل بذمِّ من انتقم منه، فالله حَكَمٌ مُقسِطٌ، ثم يَحمَدُ اللهَ على سلامة دينه، ويعلم أن عقوبة الدنيا أهونُ وخيرٌ له. [السير (تهذيبه) ٢/ ٧٣٠].
• وقال سفيان بن عيينة ﵀: لولا أن الله طأطأ من ابن آدم بثلاث، ما أطاقة شيء، وإنهن لفيه، الفقر، والمرض، والموت. [الحلية (تهذيبه) ٢/ ٤٢٩].
• وقال الفضيل بن عياض ﵀: إذا أحب الله عبدًا أكثر غمه، وإذا أبغض الله عبدًا أوسع عليه دنياه. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ٨].
• وقال أيضًا ﵀: إذا أراد الله ﷿ أن يتحف العبد سلط عليه من يظلمه. [الحلية (تهذيبه) ٣/ ٢٢].
• وقال ابن الجوزي ﵀: في رمضان من سنة تسع عشرة ومائتين امتحن المعتصم أحمد بن حنبل ﵀ فضربه بين يديه بعد أن حبسه مدة، ووطن أحمد نفسه على القتل، فقيل له: إن عرضت على القتل تجيب؟ قال: لا. ولقيه خالد الحداد فشجعه، وقال له: إني ضربت في غير الله فصبرت،