للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدِم الشام في تجارة فرأى هناك امرأة يقال لها: ابنة الجُودِي، على طنفسةٍ لها ولائد فأعجَبَتْه فقال فيها:

تذكّرْتُ ليلى والسّماوة بيننا … وما لابْنَةِ الجُوديّ ليلى ومالياَ

وأنَّى تَعَاطَى ذكْرَه حارِثيَّةٌ … تُدَمِّنُ بُصْرَى أو تَحُلُّ الجوانيَا

وأنَّى تَلَاقيِها بلى ولعلّها … إنِ الناسُ حجُّوا قابلًا أن تُلَاقيا

قال: فلما بعث عمر بن الخطاب جيشه إلى الشام، قال لصاحب الجيش: إن ظفرت بليلى ابنة الْجُودي عَنْوة فادْفَعْها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر.

فظفر بها، فدفعها إلى عبد الرحمن، فأُعْجِب بها وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى عائشة ، فعاتَبَتْه على ذلك، فقال: والله كأنّي أَرْشُف بأنْيابِها حَبَّ الرُّمان. فأصابها وجَعٌ سقط له فُوها، فجَفاها، حتى شكَتْه إلى عائشة، فقالت له عائشة : لقد أحْبَبْتَ ليلى فأفْرَطت، وأبغضْتَها فأفرطت، فإمَّا أن تُنصفها وإما أن تُجَهّزَها إلى أهلها، فجهّزها إلى أهلها. [ذم الهوى / ٤٢٨].

• وعن الشعبي ؛ أنه كان يقول:

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى … فأنت وعير بالفلاة سواء

[الحلية (تهذيبه) ٢/ ١١٧].

• وقال ابن الجوزي : حدثني بعض إخواني عن صديق له، أنّه عشق امرأةً كانت في نهاية الحسن والجمال، وأنّه كان يخاطر بنفسه ليجتمع بها. قال: فقال لي يومًا: والله لو اجتمعتُ بها ثم قُدِّمْتُ فضرِبَتْ عُنقي ما باليت. ثمّ إنّه تزوّجها، فمضى عليه قليل ثم طلّقها. قال: فمررتُ يومًا أنا وهو في بعض الطريق بحَمْأة مُنْتِنة، فقال لي: يا فلان، والله إنّ فلانة اليوم أقبحُ عندي حالًا من هذه الحمأة!. (١) [ذم الهوى / ٤٢٩].


(١) قال ابن الجوزي : وبهذا السبب يعرض الإنسان عن زوجته ويؤثر عليها الأجنبية، وقد تكون الزوجة أحسن. والسبب في ذلك أنّ عيوب الأجنبية لم تبِنْ له وقد تَكشفها المُخالطة، ولهذا إذا خالط هذه المحبوبة الجديدة وكشفتْ له المُخالَطةُ ما كان مستورًا، ملّ وطلب أُخرَى إلى ما لا نهاية له.
ولهذا المعنى الذي أشرتُ إليه شكا خَلْق من العُشّاق معشوقهم، وملّوهم وأعرضوا عنهم، وما كان السبب إلاّ أنّ المخالطة أظهرَت المعايب الآدمية، فنفَروا عنهم ومضى ما مضى منَ القلق ووهن الجاه مجّانًا! [ذم الهوى / ٤٢٦، ٤٢٧]

<<  <   >  >>