أرنيه، فَلَمَسَه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قُطْن. قال: إني أخاف أن ألبَسَه، أخافُ أن أكون مختالاً فخورًا، والله لا يُحبُ كُلَّ مختالٍ فخور.
قال الذهبي ﵀: كلُّ لباسٍ أوجد في المرء خُيَلاء وفخرًا فتركه مُتَعيِّن ولو كان من غير ذهبٍ ولا حرير. فإنا نرى الشابَّ يلبَسُ الفَرَجية (١) الصوف بفَرْوٍ من أثمان أربع مئة درهم ونحوها، والكِبْرُ والخُيَلاء على مشيته ظاهر، فإنْ نصحته ولُمتَه برفقٍ كابَرَ وقال: ما فيّ خُيلاء ولا فخَرٌ. وهذا السيد ابنُ عمر يخافُ ذلك على نفسه. وكذلك ترى الفقيهَ المترف إذا لِيمَ في تفصيلِ فَرَجية تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبيُّ ﷺ: " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"، يقول: إنما قال هذا فيمن جَرَّ إزاره خُيلاء، وأنا لا أفعلُ خُيَلاء. فتراه يُكابِرُ، ويُبَرِّئُ نفسَه الحمقاء، ويعمَدُ إلى نصٍّ مُستَقِلٍّ عام فيخصُّهُ بحديث آخر مُستَقِلٍّ بمعنى الخُيلاء، ويتَرخصُ بقول الصِّدِّيق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال:"لستَ يا أبا بكر ممن يفعله خُيَلاء" فقلنا: أبو بكر ﵁ لم يكن يَشدُّ إزاره مَسْدُولاً على كعبيه أولاً، بل كانَ يَشُدُّهُ فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي. [السير (تهذيبه)].
• وعن حنظلة بن أبي سفيان: قال: رأيت سالم بن عبد الله ﵀ عليه إزارٌ ثمنه أربعة، وقميصٌ ثمنه خمسة وهو موسر. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٧/ ٤٩٠].
• وعن سفيان ﵀ قال: كانوا يكرهون الشهرتين: الثياب الجياد التي يَشتهر فيها ويرفع الناس فيها أبصارهم، والثياب الرديئة التي يُحتقرُ فيها ويُستذلُ دينه. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٧/ ٤٩١].
• ودخل مسلمة بن عبد الملك على عمر بن عبد العزيز ﵀ يعوده فقال لأخته فاطمة: إني أرى أمير المؤمنين قد أصبح باريا فلو غيرتم ثيابه، فسكتت عنه، ثم أعاد عليها فقالت: والله ما لِأمير المؤمنين قميص غيره. [موسوعة ابن أبي الدنيا ٧/ ٤٩١].
(١) قال في الحاشية: الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام، يُتخذ من قطن أو حرير أو صوف.