للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمكة بالأجرة وبالنصف الآخر شاة يحلبها ويجعل ذلك لعياله غذاء، قال: لا نفعل، ولكن نحيله على الله ﷿ قال: فجذبه الشيخ جذبة وقال: تعال خذ هميانك، ودعني أنام الليل، وأرحني من محاسبتك، فقال له: امش بين يدي.

فمشى الشيخ وتبعه الخراساني وتبعتهما، فدخل الشيخ فما لبث أن خرج وقال: ادخل يا خراساني، فدخل ودخلت فنبش تحت درجة له مزبلة، فنبش وأخرج منها الهميان أسود من خرق بخارية غلاظ وقال: هذا هميانك؟

فنظر إليه وقال: هذا همياني، قال: ثم حل رأسه من شد وثيق، ثم صب المال في حجر نفسه وقلبه مرارًا، وقال: هذه دنانيرنا، وأمسك فم الهميان بيده الشمال وردّ المال بيده اليمين فيه، وشده شدًا سهلًا ووضعه على كتفه، ثم أراد الخروج، فلما بلغ باب الدار رجع، وقال للشيخ: يا شيخ! مات أبي وترك من هذا ثلاثة آلاف دينار، فقال لي أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك، وبع رحلي، واجعله نفقة لحجك!

ففعلت ذلك وأخرجت ثلثها ألف دينار وشددتها في هذا الهميان، وما رأيت منذ خرجت من خُراسان إلى ها هنا رجلًا أحق به منك، خذه بارك الله لك فيه، قال: ثم ولى وتركه.

قال: فوليت خلف الخُراساني فعدا أبو غياث فلحقني وردني، وكان شيخًا مشدود الوسط بشريط معصب الحاجبين، ذكر أن له ستًا وثمانين سنة، فقال لي: اجلس، فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم، فسمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول: سمعت مالكًا يقول: سمعت نافعًا يقول: عن عبد الله بن عمر: أن النبي قال لعمر وعلي: إذا أتاكما بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس فاقبلاها ولا ترداها فترداها على الله ﷿ وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر، ثم قال: يا لبابة، الهميان وادعي فلانة وفلانة وصاح ببناته وأخواته، وقال: ابسطوا حجوركم. فبسطت حجري، وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه فمدوا أيديهم، وأقبل يعد دينارًا حتى إذا بلغ العاشر إلي قال: ولك دينارًا.

حتى فرغ الهميان، وكانت ألفًا، فأصابني مائة دينار، فتداخلني من سرور غناهم أشد مما داخلني من سرور ما أصابني بالمائة دينار …

<<  <   >  >>