ويوم آخر الشهر مات الأمير الكبير إياز (١) الجركسي كبير الأمراء بالشام وكان ظالماً غاشماً نشأ في دولة السلطان فصار من الأمراء المقدمين بدمشق فلما وقعت فتنة الناصري وانكسر العسكر، هرب هو والأمير أينال نحو الديار المصرية فقبض عليهما نائب غزة ابن باكيش وسجنا بصفد، فلم يزالا إلى أن خرج السلطان من الكرك ونزل خارج دمشق فخرجا من السجن وتغلب إياز المذكور على صفد وجاء أينال إلى السلطان ولم يزل إياس بصفد حتى أرسل منطاش وهو بدمشق عسكر إلى صفد لتؤخذ من إياز فخامر العسكر عليه وتوجهوا إلى طاعة السلطان بعدما ملك مصر وأعطى إياس نيابة صفد، واستمر بها يظلم ويعسف ويجترئ على الشرع بما هو مشهور عنه، فلما وصل السلطان إلى الشام في سنة ثلاث وتسعين سعى في نيابة طرابلس فسار فيها بأقبح سيرة، ثم إن السلطان نقله منها إلى الشام وجعله رأس الميمنة عوضاً عن الأمير تاني بك نائبها اليوم حتى نقله إلى الشام فأقام خمس سنين يظلم الناس بأنواع من الظلم مما لم يسمعه عن غيره، هذا مع أنه كان متهماً في دينه يعظم النصارى ويقرب الفرنج ويكرمهم ويرفعهم على المسلمين، ويقال عنه أنه جمع بين سبع نسوة، وله أخبار تدل على انسلاخه من الدين فأمهله الله إلى أن طلبه السلطان في العام الماضي إلى بين يديه وحاسبه على الأغوار وكان يباشره وأرسل يكشف عليه فكتبت محاضر تتضمن ما اعتمده فيها من أخذ أموال الناس واستعمال الناس بغير أُجرة وقطع أيدي جماعة فلما وصل ذلك إلى السلطان صادره وسلمه لمن يستخلص منه مالاً كثيراً فلم يفجأ الناس إلا موته في هذا اليوم.
(١) تاريخ ابن قاضي شهبة ٣/ ٦٣٠، إنباء الغمر ٣/ ٣٤٣ النجوم الزاهرة ١٢/ ١٢١ الدرر الكامنة ١/ ٤٢٠ (١٠٩٥).