الجراد في شهر ربيع الآخر وأول جمادى قد جاء إلى الغور وغرس هناك فلما كبر أفسد ما بالغور من زرع ثم دب في شعبان ورمضان فأفسد أشجار الصلت وعجلون ولم يترك بهما ولا بالبلقاء خضراء من كرم ولا غيره ورأيناه في رمضان بين القدس والخليل وبيت لحم وقد دبّ وقصد شجر الزيتون ثم كبر ووصل إلى القدس، ولما كنا بنابلس جاء بها في نحو عاشر شوال زاحفًا وطائرًا فأكل ورق الشجر ولقد رأيته ينزل على الشجرة فتصير جرداء من فورها ويسقط الورق فيأكله ما تحته من الزاحف ثم قدمنا دمشق فلم نمر بأرض من الغور وحوران إلا والجراد الزاحف قد عمّ المسالك وسد الطريق إلى أن وصلنا إلى دمشق فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكذلك بلغنا أنه كذلك في السواحل وغربي دمشق فعمّ الشام جميعها.
ويوم الأربعاء خامس عشريه وصل الخبر بوقوع اختلاف بين المصريين وأن القضية أسفرت عن القبض على الدوادار الأمير يشبك وكان هو المشار إليه والمتصرف في الأمور وأرسل إلى سجن الإسكندرية وقبض أيضًا على جماعة من الأمراء من أعيانهم جركس المصارع الدوادار وأقباي وقطلوبغا الكركي وأن الدوادار صار جكم ونوروز الحافظي مستمر على حاله أميرًا كبيرًا وكذلك ابن غراب مستمر وخلع عليه.
وفيه غرق قاضي القضاة صدر الدين المناوي (١) بنهر الزاب بعد أن جاوزوا الموصل، وكان مأسورًا مع بعض أمراء تمرلنك فخاض النهر لكثرة الازدحام على قنطرة هناك فنجا الأسرى وغرق القاضي، وكان سنه إحدى وستين سنة ونحو شهر لأن مولده في ثامن رمضان سنة اثنين وأربعين، أُسر لما هرب من دمشق حين هرب السلطان في أواخر جمادى الأول فأدركوه بالطريق وصار مأسورًا معهم إلى أن توفي، وكان -رحمه الله- شديد الحذر من الغرق، كان لا يركب في النيل إلا نادرًا خوفًا من الغرق حتى كانت له ..... في الروضة ولا يأتيها أيام الزيادة وإنما يقصدها حين ينشف الماء.
(١) إنباء الغمر ٤/ ٣١٥، بهجة الناظرين ٤٠، الضوء اللامع ٦/ ٢٤٩ (٨٦٧)، شذرات الذهب ٩/ ٥٥. وهو محمد بن إبراهيم بن إسحاق السلمي المناوي.