الحديث وحفظ متونه وحفظ رجاله فحفظ من ذلك شيئًا كثيرًا، وكان في الجملة أحفظ الناس لمذهب الشافعي -رضي الله عنه- واشتهر بذلك وطبقة شيوخه موجودون وبعُد صيته وولي إفتاء دار العدل ودرس بزاوية الشافعي بمصر ثم قدم علينا قاضيًا بالشام سنة تسع وستين وهو إذ ذاك كهل فبهر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودة معرفته وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله ثم رجع إلى بلده وولي قضاء العسكر ودرس بقبة الشافعي ثم عُوض عنها تدريس جامع طولون وغيره وبنى مدرسة بالقاهرة وأثرى وكثر ماله وتصدى للفتوى والاشتغال وكان معول الناس في ذلك عليه ورحلوا إليه ثم قدم مع السلطان بلاد الشام مرتين وكثر طلبته في البلاد وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم في أيامه.
وكان صحيح الحفظ قليل النسيان ثم صار له اختيارات يفتي بها في بعضها نظر وله نظم كثير متوسط في الحكم والمواعظ ونحو ذلك، وله تصانيف كثيرة لم تتم يصنف قطعًا ثم يتركها وقلمه لا يشبه لسانه.
وكان أخذ النحو عن أبي حيان ثم عن ابن عقيل وصاهره، ولما ولي قضاء مصر سنة تسع وخمسين استنابه تلك المدة اليسيرة.
توفي يوم الجمعة عاشره بعد العصر بالقاهرة المحروسة بداره فكمل إحدى وثمانين سنة وأشهرًا وصلي عليه من الغد بجامع الحاكم، وصلى عليه خلائق لا يحصون كثرة، وحضر الخليفة ويشبك الدوادار وأعيان الناس، وتقدم في الصلاة عليه ولده قاضي القضاة جلال الدين وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب بالجامع الأموي يوم الجمعة ثالث ذي الحجة والذي أملا عليّ النسب المذكور أخوه اجتمعت به بالقدس الشريف في سنة ثلاث وثمان مائة وذكر أن أصلهم من عسقلان وأن أول من سكن بلقينة جدهم صالح، وذكر لي أنه أسن من الشيخ وأن مولده سنة خمس عشرة وأن أختهما أسن منه بعشر سنين وكانت معه بالقدس فتوفيت في السنة المذكورة ثم توفي هو في سنة أربع عام أول فتبين وفاة كل واحد منهم سنه رحمة الله عليهم.