للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنْ يَنْكِحَ إلَى شَهْرٍ أَوْ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ لِلنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ الْمُؤَقَّتُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ مُجَرَّدُ التَّمَتُّعِ دُونَ التَّوَالُدِ، وَغَيْرُ مِنْ أَغْرَاضِ النِّكَاحِ

، (وَلَا) يَصِحُّ (نِكَاحُ الشِّغَارِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ (وَهُوَ زَوَّجْتُكهَا) أَيْ بِنْتِي (عَلَى أَنْ تَزَوَّجَنِي بِنْتَك وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ) ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْت بِنْتَك، وَزَوَّجْتُك بِنْتِي عَلَى مَا ذَكَرْت وَهَذَا التَّفْسِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ، الْمُحْتَمَلِ، لَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي، فَيُرْجَعُ إلَيْهِ وَالْمَعْنَى فِي الْبُطْلَانِ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ حَيْثُ جَعَلَ مَوْرِدَ النِّكَاحِ وَصَدَاقَ الْأُخْرَى، وَقِيلَ التَّعْلِيقُ وَقِيلَ الْخُلُوُّ عَنْ الْمَهْرِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ شِغَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ شُغِرَ الْبَلَدُ عَنْ السُّلْطَانِ إذَا خَلَا عَنْهُ (فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ الْبُضْعَ صَدَاقًا)

ــ

[حاشية قليوبي]

فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُنَازَعُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (إلَى شَهْرٍ) أَوْ أَلْفِ سَنَةٍ أَوْ بَقَاءِ الدُّنْيَا أَوْ عُمْرِك أَوْ حَيَاتِك، وَفَارَقَ صِحَّةَ الْبَيْعِ فِي غَيْرِ بَقَاءِ الدُّنْيَا بِمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ مِنْ النَّهْيِ هُنَا. قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ) إنَّمَا بَطَلَ هُنَا لِلنَّهْيِ الْوَاقِعِ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ النَّاسِخِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْجَوَازِ الْمُتَكَرِّرِ، فَإِنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِلْمُضْطَرِّ، ثُمَّ حَرُمَ عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ ثُمَّ حَرُمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَيُشَارِكُ الْمُتْعَةَ فِي تَكْرِيرِ النَّسْخِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا الْقِبْلَةُ وَالْخَمْرَةُ وَالْوُضُوءُ مِمَّا يَمَسُّ النَّارَ، وَقَدْ نَظَمَهَا الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بِقَوْلِهِ:

وَأَرْبَعٌ تَكَرَّرَ النَّسْخُ لَهَا ... جَاءَتْ بِهَا النُّصُوصُ وَالْآثَارُ

فَقِبْلَةٌ وَمُتْعَةٌ وَخَمْرٌ ... كَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا تَمَسُّ النَّارُ

وَزَادَ بَعْضُهُمْ خَامِسًا وَهُوَ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ بَلْ ادَّعَى أَنَّهَا الَّتِي فِي النَّظْمِ الْمَذْكُورِ، وَعَلَيْهِ فَزَادَ الْخَمْرَةَ وَعَلَى كُلٍّ فَهِيَ خَمْسَةٌ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقَع تَكَرُّرُ النَّسْخِ فِي غَيْرِ الْمُتْعَةِ لَعَلَّهُ قَالَهُ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْبَقِيَّةِ، أَوْ أَرَادَ يَقِينًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (الشِّغَارِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ أَوَّلُهُمَا مَكْسُورَةٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ وَسَيَأْتِي مَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ) خَرَجَ بِهِ بُضْعُ الزَّوْجِ كَقَوْلِ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبُضْعُك صَدَاقٌ لَهَا، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لَكِنْ يَفْسُدُ الصَّدَاقُ وَيَرْجِعُ لِمَهْرِ الْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَقُولَ: قَبِلْت الْعَقْدَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا مَرَّ بَلْ، وَلَا يَصِحُّ قَبِلْت النِّكَاحَيْنِ أَوْ قَبِلْت التَّزْوِيجَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ وَقَابِلٌ فَتَأَمَّلْهُ. نَعَمْ لَوْ عَكَسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ مِثْلُ أَصْلِهِ. قَوْلُهُ: (مَأْخُوذٌ) لَوْ قَالَ مَذْكُورٌ لَكَانَ أَنْسَبَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ) أَيْ عَقِبِهِ أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (الْمُحْتَمَلُ) وَصْفٌ لِآخَرَ. قَوْلُهُ: (لَأَنْ يَكُونَ) أَيْ الْآخَرُ. قَوْلُهُ: (مِنْ تَفْسِيرِ النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ قِطْعَةً مِنْ الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عُمَرَ) ، فَيَكُونُ مُدْرَجًا فِيهِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ أَوْ مِنْ تَفْسِيرِ نَافِعٍ الرَّاوِي لَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ مِنْ سِلْسِلَةِ الذَّهَبِ. قَوْلُهُ: (فَيُرْجَعُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ أَدْرَى بِمَوَاقِعِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ: يَنْبَغِي الْإِعْرَاضُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْحَدِيثِ قَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هَذَا الْإِعْرَاضُ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِكَمَالِهِ قَدْ جُعِلَ صَدَاقًا لِلْأُخْرَى، وَلِأَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ فِي الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الشَّرْطِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَلِأَنَّ خُلُوَّ الْعَقْدِ عَنْ الْمَهْرِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (التَّشْرِيكُ) قِيلَ مِنْ حَيْثُ تَعَدُّدُ الْمُسْتَحَقِّ. قَوْلُهُ: (مَوْرِدُ النِّكَاحِ وَصَدَاقُ الْأُخْرَى) عِبَارَةُ غَيْرِهِ مَوْرِدُ النِّكَاحِ وَصَدَاقًا لِأُخْرَى. قَوْلُهُ: (شَغَرَ الْبَلَدُ إلَخْ) أَوْ مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ وَقْتَ بَوْلِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخَرِ لَا تَرْفَعْ رِجْلَ بِنْتِي حَتَّى أَرْفَعَ رِجْلَ بِنْتِك.

ــ

[حاشية عميرة]

عَلَى هَذَا مَا قَالُوهُ مِنْ الصِّحَّةِ، فِيمَا لَوْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ، فَقَالَ إنْ صَدَقَ الْمُخْبِرُ فَقَدْ زَوَّجْتهَا نَعَمْ قَيَّدَ شَيْخُنَا مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ صِدْقَ الْمُخْبِرِ.

قَوْلُهُ: (لِلنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إلَخْ) كَانَ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِلْمُضْطَرِّ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ ثُمَّ حُرِّمَ عَامَ خَيْبَرَ ثُمَّ رُخِّصَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ، وَقِيلَ عَامَ الْوَدَاعِ، ثُمَّ حُرِّمَ أَبَدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا حُرِّمَ ثُمَّ أُبِيحَ ثُمَّ حُرِّمَ إلَّا الْمُتْعَةَ، وَعَنْ الْبَيْهَقِيّ تَصْحِيحُ تَحْرِيمِهِ عَامَ الْفَتْحِ لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّسْخُ مَرَّتَيْنِ وَنَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَلُحُومِ الْحُمُرِ يَوْمَ خَيْبَرِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْمُتْعَةِ أَدْرَجَهُ الرَّاوِي

قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ الْمَتْنِ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ: قَبِلْت الْعَقْدَيْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَعِبَارَتُهُ فَيَقْبَلُ أَوْ يَقُولُ مِثْلَهُ. قَوْلُهُ: (حَيْثُ جَعَلَ إلَخْ) أَيْ فَأَشْبَهَ التَّزْوِيجَ مِنْ رَجُلَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا نَزَلَ عَلَى حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ.

وَإِنَّمَا أَضَافَهُ هُنَا عَلَى حُكْمِ جِهَةِ التَّمَلُّكِ وَالْعِوَضِيَّةِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي قَوْلُهُ وَبُضْعُ كُلٍّ صَدَاقُ الْأُخْرَى يَقْتَضِي اسْتِرْجَاعَهُ لِيَجْعَلَهُ صَدَاقًا فَقَدْ رَجَعَ عَمَّا أَوْجَبَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَبَطَلَ انْتَهَى، وَعَوَّلَ الْإِمَامُ عَلَى الْخَبَرِ وَضَعَّفَ الْمَعَانِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَلِذَلِكَ سُمِّيَ شِغَارًا) قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْمَحَاسِنِ كَأَنَّهُمَا قَصَدَ إفْضَاءَ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>