(وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ وَذِمِّيٍّ) بِأَنْ قَتَلَ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ أَوْ عَكْسَهُ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ وَلَا تَجْبُرُ الْفَضِيلَةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيصَتَهُ
(وَلَا) قِصَاصَ (بِقَتْلِ وَلَدٍ) لِلْقَاتِلِ (وَإِنْ سَفَلَ) لِحَدِيثِ «لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبِنْتُ كَالِابْنِ وَالْأُمُّ كَالْأَبِ قِيَاسًا وَكَذَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْا مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْوَالِدَ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِ الْوَلَدِ، فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ (وَلَا) قِصَاصَ (لَهُ) أَيْ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ كَأَنْ قَتَلَ عَتِيقَهُ أَوْ زَوْجَةَ نَفْسِهِ، وَلَهُ مِنْهَا ابْنٌ (وَيُقْتَلُ بِوَالِدِيهِ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ.
(وَلَوْ تَدَاعَيَا مَجْهُولًا فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ اخْتَصَّ) أَيْ الْآخَرُ لِثُبُوتِ أُبُوَّتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ بِهِ (فَلَا) يَقْتَصُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ أُبُوَّتِهِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: إنْ أَلْحَقَهُ بِالْقَاتِلِ فَلَا قِصَاصَ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِمَا. اقْتَصَّ أَيْ إنْ ادَّعَاهُ
(وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ) شَقِيقَيْنِ (الْأَبَ وَالْآخَرُ الْأُمَّ مَعًا) ، وَالْمَعِيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ الْآتِي بِزُهُوقِ الرُّوحِ (فَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا (قِصَاصٌ) عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ (وَيُقَدَّمُ) لِلْقِصَاصِ (بِقُرْعَةِ) أَحَدِهِمَا (فَإِنْ اقْتَصَّ) الْآخَرُ (بِهَا أَوْ مُبَادِرًا) أَيْ قَبْلَهَا (فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُقْتَصِّ إنْ لَمْ تُوَرِّثْ قَاتِلًا بِحَقٍّ) ، وَهُوَ الرَّاجِحُ (وَكَذَا إنْ قَتَلَا مُرَتَّبًا وَلَا زَوْجِيَّةَ) بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَيْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ، وَيُقَدِّمُ لَهُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ مَنْ ابْتَدَأَ بِالْقَتْلِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي وَلَوْ بَادَرَ مَنْ أُرِيدَ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ لِابْتِدَائِهِ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ يَدَ نَفْسِهِ لَزِمَهُ ثَمَنُ قِيمَتِهِ لِسَيِّدِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ عُمُومِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِقَتْلِ وَلَدٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ وَإِنْ عَلَا بِقَتْلِ وَلَدِهِ وَلَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِقَتْلِهِ إلَّا إنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ كَالْبَهِيمَةِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ بِهِ حِينَئِذٍ. قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ لَهُ) أَيْ لَوْ وَرِثَ الْوَلَدُ قِصَاصًا عَلَى وَالِدِهِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بَلْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يَرِثُ الْقِصَاصَ أَيْضًا لِمُقَارَنَةِ الْمُسْقِطِ لِلسَّبَبِ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَدَاعَيَا) هِيَ مِنْ أَفْرَادِ مَا قَبْلَهَا لِإِفَادَةِ أَنَّ الْأَصَالَةَ تُسْقِطُ الْقَوَدَ وَإِنْ ثَبَتَتْ بَعْدَهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَتُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْقَائِفِ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَعَلَى الِانْتِسَابِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ بِهِ) سَوَاءٌ أَلْحَقَهُ بِالْقَاتِلِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِأَحَدٍ أَوْ تَحَيَّرَ فَلَا قِصَاصَ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَشَامِلَةٌ أَيْضًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَوْ مَعَ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَتِهِمَا جَمِيعًا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (شَقِيقَيْنِ) زَادَ فِي الْمَنْهَجِ حَائِزَيْنِ وَهُوَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِدَفْعِ احْتِمَالِ أَنَّ لِلْأَبِ زَوْجَةً أُخْرَى غَيْرَ أُمِّهِمَا أَوْ احْتِمَالِ شَقِيقٍ ثَالِثٍ، لَمْ يُقْتَلْ مَعَ أَخَوَيْهِ فَقَوْلُ الْبُرُلُّسِيِّ لَمْ أَفْهَمْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ مَعْنًى غَيْرَ مُسْتَقِيمٍ. قَوْلُهُ: (مَعًا) أَيْ يَقِينًا عَلَى الْأَوْجَهِ وَقَالَ شَيْخُنَا وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ شَكَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ السَّبْقِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ السَّبْقَ وَرَجَا وَقْفَ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَالصُّلْحُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَلِكُلٍّ قِصَاصٌ) فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا اُقْتُصَّ مِنْهُ دُونَ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (بِقُرْعَةٍ) أَيْ وُجُوبًا فِي فِعْلِهَا وَالتَّقْدِيمِ بِهَا، قَوْلُهُ: (أَحَدُهُمَا) هُوَ نَائِبُ فَاعِلِ يُقَدَّمُ وَهُوَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَا يُنَافِيهِ الْمُبَادَرَةُ الْمَذْكُورَةُ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقُرْعَةِ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَرْجَحُهُمَا فِي الرَّوْضَةِ الثَّانِي) أَيْ تَقْدِيمُ الْبَادِي بِالْقَتْلِ لِلِاقْتِصَاصِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ لِبُطْلَانِهِ بِالْمَوْتِ، وَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُمَا
ــ
[حاشية عميرة]
الْأَصْحَابِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِ وَلَدٍ) نَقَلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ وَمُرَادُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ فِيمَا لَوْ ذَبَحَهُ كَالشَّاةِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَوْ كَانَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُلْحِقَهُ بِالِاسْتِيلَادِ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ السَّافِلُ وَالْعَالِي كَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِ كَالنَّفَقَةِ، قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ بِوَالِدَيْهِ) لِأَنَّ أَخْذَ الْأَنْقَصِ بِالْأَكْمَلِ اقْتِصَارٌ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ وَعَكْسُهُ اسْتِفْضَالٌ عَنْ الْحَقِّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
قَوْلُهُ: (فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْقَائِفِ لِجَوَازِ الْعَرْضِ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُ أَحَدُهُمَا لَا مَفْهُومَ لَهُ إذْ لَوْ قَتَلَاهُ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ شَرِيكَ الْأَبِ يُقْتَصُّ مِنْهُ، قَوْلُهُ: (اقْتَصَّ) أَيْ وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُ الْقَتْلِ صَادِرًا قَبْلَ انْكِشَافِ الْحَالِ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَقَوْلُهُ أَيْ الْآخَرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اقْتَصَّ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْآتِي فَلَا نَفْيَ لِاقْتِصَاصِ الْآخَرِ فَقَطْ لَا لِمُطْلَقِ الْقِصَاصِ، فَلَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِمَا، لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إذَا كَانَ اقْتَصَّ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ ثُبُوتِ إلَخْ) . مِنْ هُنَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْقَاتِلُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ اقْتَصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ الْقَائِفُ بِأَحَدٍ نَعَمْ لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ فِي الْعِدَّةِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا إلَّا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّ الْجُحُودَ لَا يُفِيدُ النَّفْيَ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْجُحُودِ، قَوْلُهُ: (فَلَا قِصَاصَ) .
تَتِمَّةٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِالْآخَرِ اقْتَصَّ، شَقِيقَيْنِ. شَرْطُ الصِّحَّةِ قَوْلُهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْحِيَازَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِي، قَوْلُهُ: (الْآخَرُ) جَعَلَ الْفَاعِلَ فِيمَا مَرَّ ضَمِيرَ أَحَدِهِمَا، وَجَعَلَهُ فِيمَا هُنَا ضَمِيرَ الْآخَرِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الْآخَرِ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الْآخَرِ مَعَ قَوْلِهِ بِهَا، فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ لِلْقِصَاصِ مَعْنَاهُ، وَيُقَدَّمُ لِاسْتِيفَاءِ