للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَأَمَّا السُّنَنُ فَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ. «وَطَافَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَسْتَفْتُوهُ. وَلَوْ طَافَ رَاكِبًا بِلَا عُذْرٍ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِدْخَالُ الْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهَا الْمَسْجِدَ مَكْرُوهٌ. (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ. (وَيُقَبِّلُهُ) رَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهُ» . (وَيَضَعُ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ عَلَى الْحَجَرِ» . (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ التَّقْبِيلِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ لِزَحْمَةٍ (اسْتَلَمَ) أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ ثُمَّ قَبَّلَهَا (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الِاسْتِلَامِ (أَشَارَ بِيَدِهِ) وَلَا يُشِيرُ بِالْفَمِ إلَى التَّقْبِيلِ، وَفِي الرَّوْضَةِ: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِلَامُ بِالْخَشَبَةِ وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الِاسْتِلَامِ بِالْيَدِ أَيْ وَيُقَبِّلُ الْخَشَبَةَ أَوْ نَحْوَهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِعَصَا وَنَحْوِهَا أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا، ثُمَّ قَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ.

وَفِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ اسْتِلَامٌ وَلَا تَقْبِيلٌ إلَّا عِنْدَ خُلُوِّ الْمَطَافِ فِي اللَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ.

وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ الْقُبْلَةَ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهَا صَوْتٌ. (وَيُرَاعَى ذَلِكَ) أَيْ الِاسْتِلَامُ وَمَا بَعْدَهُ (فِي كُلِّ طَوْفَةٍ وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا، وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَ وَلَا يُقَبِّلُهُ) لَكِنْ يُقَبِّلُ الْيَدَ بَعْدَ اسْتِلَامِهِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ

ــ

[حاشية قليوبي]

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَجَعَلَ لَهُ جِدَارًا نَحْوَ الْقَامَةِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الْخَلِيفَةُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ ثُمَّ الْأَمِيرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ بَعْدَهُ الْخَلِيفَةُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، ثُمَّ وَلَدُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ الْخَلِيفَةُ الْمَنْصُورُ، ثُمَّ الْخَلِيفَةُ الْمَهْدِيُّ وَلَمْ يُتِمَّهُ فَتَمَّمَهُ بَعْدَهُ وَلَدُهُ الْخَلِيفَةُ الْهَادِي وَزَادَ فِي بَعْضِ جِهَاتِهِ بِحَيْثُ جَعَلَهُ مُرَبَّعًا بَيْنَ جِدَارِهِ وَجِدَارِ الْكَعْبَةِ تِسْعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَبِنَاءُ السَّلَاطِينِ بَعْدَهُ تَجْدِيدٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِيهِ. وَأَوَّلُ مَنْ كَسَا الْكَعْبَةَ مِنْ دَاخِلِهَا قُصَيٌّ جَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَنَاهَا قَبْلَ بِنَاءِ قُرَيْشٍ، ثُمَّ كَسَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِالْقَبَاطِيِّ مِنْ خَارِجِهَا حِينَ بَنَاهَا، ثُمَّ أَبْدَلَهَا السُّلْطَانُ فَرَجُ بْنُ بَرْقُوقٍ فِي خِلَافَتِهِ بِالْكِسْوَةِ السَّوْدَاءِ مِنْ خَارِجِهَا وَاسْتَمَرَّتْ وَمَحَلُّ بَسْطِ ذَلِكَ التَّوَارِيخُ وَمِنْهَا مُؤَلَّفُنَا السَّابِقُ.

قَوْلُهُ: (مَاشِيًا) وَلَوْ امْرَأَةً وَيُنْدَبُ أَنْ يُقَصِّرَ خُطَاهُ لِكَثْرَةِ الْأَجْرِ وَحَافِيًا أَوْلَى إلَّا لِعُذْرٍ، وَيُكْرَهُ الزَّحْفُ وَأَمَّا الرُّكُوبُ فَخِلَافُ الْأَوْلَى، وَالْحَمْلُ عَلَى الرِّجَالِ أَوْلَى مِنْ الدَّوَابِّ وَالْإِبِلِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا، وَانْظُرْ هَلْ يَصِحُّ الطَّوَافُ فِي هَوَاءِ الْمَسْجِدِ. وَلَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْوُقُوفِ رَاجِعْهُ. وَيَتَّجِهُ فِيهِ الصِّحَّةُ هُنَا. قَوْلُهُ: (بِلَا كَرَاهَةٍ) أَيْ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (مَكْرُوهٌ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا فَإِنْ أَمِنَ التَّلْوِيثَ فَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا أَيْضًا. وَمِثْلُ الدَّابَّةِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مَعَ عَدَمِ أَمْنِ التَّلْوِيثِ يَحْرُمُ إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَإِلَّا كُرِهَ، وَمَعَ أَمْنِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ) أَيْ ثَلَاثًا. وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنْ التَّقْبِيلِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فَعَلَهَا مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَخَلِّلَةً وَمَحَلُّهُ لَوْ أُزِيلَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِثْلُهُ كَمَا مَرَّ. وَارْتِفَاعُهُ عَنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَطَافِ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيبًا وَهُوَ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَيُحْتَرَزُ عِنْدَ تَقْبِيلِهِ عَنْ مُرُورِ قَدَمَيْهِ وَلَوْ بِأَدْنَى جُزْءٍ، بَلْ يُثَبِّتُهُمَا حَتَّى يَعْتَدِلَ، ثُمَّ يَمُرُّ فَإِنْ مَرَّ وَهُوَ مُنْحَنٍ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى مَحَلِّهِ عِنْدَ اسْتِقْبَالِهِ. قَوْلُهُ: (بِيَدِهِ) وَالْيُمْنَى أَوْلَى. قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ طَوْفَةٍ) وَالْأَوْتَارُ آكَدُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَبِّلُ إلَخْ) أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ. وَكَذَا بَقِيَّةُ أَجْزَاءِ الْبَيْتِ مِمَّا لَمْ يُطْلَبْ فِيهِ ذَلِكَ. وَكَذَا لَا يُسَنُّ السُّجُودُ عَلَى غَيْرِ الْحَجَرِ وَلَوْ عَلَى مَا اسْتَلَمَهُ بِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُقَبِّلُ الْيَدَ إلَخْ) فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ أَوْ بِشَيْءٍ فِيهَا، وَقَبَّلَ مَا أَشَارَ بِهِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ عَدَمِ طَلَبِ ذَلِكَ، وَبَحَثَ

ــ

[حاشية عميرة]

وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ النِّيَّةِ ثُمَّ يَزِيدُ عَلَى السَّبْعَةِ أَوْ يَنْقُصُ كَالصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ.

. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَاشِيًا) أَيْ وَحَافِيًا أَيْضًا. قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَأُحِبُّ لَوْ كَانَ الْمَطَافُ خَالِيًا أَنْ يُقَصِّرَ فِي الْمَشْيِ لِيَكْثُرَ لَهُ الْأَجْرُ. قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِتَصْرِيحِهِمْ بِتَحْرِيمِ إدْخَالِ الصِّبْيَانِ الْمَسَاجِدَ، كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْعِدَّةِ، وَاعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ، فَقَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ تَنْجِيسُهُمْ كَانَ مَكْرُوهًا. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَهَذَا صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّجَاسَةِ وَالْكَرَاهَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَلَبَةِ، وَأَمَّا طَوَافُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لِعُذْرٍ، وَهُوَ اسْتِفْتَاءُ النَّاسِ لَهُ وَتَعْلِيمُ الْمَنَاسِكِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَسْتَلِمُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا يُقَبِّلُ الْيَدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحِكْمَةُ فِي اخْتِلَافِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ أَنَّ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فِيهِ فَضِيلَتَانِ وُجُودُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِيهِ، وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَالْيَمَانِيُّ فِيهِ الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>