للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْرَأُ فِي الْأُولَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَفِي الثَّانِيَةِ الْإِخْلَاصَ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي غَيْرِ الْقِرَاءَةِ الشَّيْخَانِ، وَفِيهَا مُسْلِمٌ (وَيَجْهَرُ) بِهَا (لَيْلًا) وَيُسِرُّ نَهَارًا (وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّلَاةُ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَعَلَهَا تَلَا قَوْله تَعَالَى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] » رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَأَفْهَمَ أَنَّ

ــ

[حاشية قليوبي]

بِذَلِكَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْتَزَمَهُ وَأَخْبَرَ أَنَّ هُنَاكَ مَلَكًا يُؤَمِّنُ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَمُحَاذَاةِ الْبَابِ مِنْ أَسْفَلِهِ وَعَرْضُهُ عُلُوُّ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَيُلْصِقُ بَطْنَهُ بِجِدَارِ الْبَيْتِ وَيَضَعُ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ عَلَيْهِ، وَيَبْسُطُ ذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ وَأَعِذْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَوَسْوَاسِهِ» . وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ لِلصَّلَاةِ وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِيهَا إنْ اسْتَقَلَّتْ بِخِلَافِ الطَّوَافِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ. وَيُنْدَبُ إذَا وَالَى بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ طَوَافٍ أَنْ يُصَلِّيَ لِكُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْنِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ كُلِّ طَوَافٍ عَقِبَهُ وَلَوْ قَصَدَ كَوْنَ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الْكُلِّ كَفَى بِلَا كَرَاهَةٍ. وَقِيَاسُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ أَنْ يَكُونَ الْإِطْلَاقُ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ.

قَوْلُهُ: (خَلْفَ الْمَقَامِ) فَهُمَا فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ فِي الْحِجْرِ وَأَوْلَاهُ مَا قَرُبَ مِنْ الْبَيْتِ، ثُمَّ فِي الْحَطِيمِ ثُمَّ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ فِيمَا بَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ، ثُمَّ بَقِيَّةِ الْمَسْجِدِ. ثُمَّ فِي بَيْتِ خَدِيجَةَ، ثُمَّ فِي مَنْزِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْرُوفِ بِدَارِ الْخَيْزُرَانِ ثُمَّ فِي بَقِيَّةِ مَكَّةَ، ثُمَّ بَاقِي الْحَرَمِ حَيْثُ شَاءَ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَفُوتَانِ إلَّا بِالْمَوْتِ. وَالْمُرَادُ بِخَلْفِ الْمَقَامِ كَوْنُ الْمَقَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا فَغُيِّرَ. وَيُجْزِئُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَرِيضَةٌ وَنَافِلَةٌ أُخْرَى. كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ. وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَقَالَ: حَيْثُ قِيلَ بِحُصُولِهِمَا مَعَ غَيْرِهِمَا فَكَيْفَ يَأْتِي قَوْلُهُمْ فَحَيْثُ شَاءَ مَتَى شَاءَ. وَكَذَا مَا قَبْلَهُ لَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ صَلَاةٌ بَعْدَ الطَّوَافِ فِي بَقِيَّةِ عُمُرِهِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ، وَلَا أَنَّهُمْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِهِمَا مَعَ غَيْرِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ نَظَرًا لِمُنَافَاتِهِ لِمَا مَرَّ، وَلَا أَنَّهُ كَمَنْ قَصَدَ تَأْخِيرَهُمَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ كَمَا فِي التَّحِيَّةِ.

وَفِي ابْنِ حَجَرٍ بَعْضُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ إحْرَامُهُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةُ الطَّوَافِ كَمَا فِي التَّحِيَّةِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.

تَنْبِيهٌ: سُمِّيَ الْبَيْتُ كَعْبَةً لِتَرْبِيعِهِ مِنْ التَّكْعِيبِ وَهُوَ التَّرْبِيعُ. وَذَلِكَ عَلَى التَّقْرِيبِ لِأَنَّ عَرْضَ جِهَةِ الْبَابِ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَرُبْعُ ذِرَاعٍ، وَمِنْ دَاخِلِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَنَحْوَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ ذِرَاعٍ، وَعَرْضُ مَا بَيْنَ الشَّامِيَّيْنِ مِنْ خَارِجِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مِنْ ذِرَاعٍ، وَمِنْ دَاخِلِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَقِيرَاطَانِ، وَعَرْضُ جِهَةِ مَا بَيْنَ الشَّامِيِّ وَالْيَمَانِيِّ مِنْ خَارِجِهِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ دَاخِلِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثَانِ وَثُمْنُ ذِرَاعٍ وَعَرْضُ جِهَةِ مَا بَيْنَ الْيَمَانِيَيْنِ مِنْ خَارِجِهِ تِسْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَرُبْعُ ذِرَاعٍ، وَمِنْ دَاخِلِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ، وَارْتِفَاعُ جُدْرَانِهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا تَقْرِيبًا كُلُّ ذَلِكَ بِالذِّرَاعِ الْمِصْرِيِّ.

وَيُنْدَبُ دُخُولُ الْكَعْبَةِ مِنْ غَيْرِ إيذَاءِ أَحَدٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا دَخَلَهَا خَرَّ سَاجِدًا لِلشُّكْرِ أَيْ مَعَ النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُرُوطِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَجْهَرُ بِهَا لَيْلًا) وَمِنْهُ مَا بَعْدَ الْفَجْرِ. وَاسْتَشْكَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَافَقَهُ الْبُلْقِينِيُّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي النَّوَافِلِ لَيْلًا التَّوَسُّطُ، وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخُسُوفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ لَيْلِيٌّ، وَلَا عَلَى الْكُسُوفِ لِأَنَّ سَبَبَهُ نَهَارِيٌّ، وَبِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مَطْلُوبَةٌ فِي الْكُسُوفَيْنِ فَطُلِبَ الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَهَذِهِ صَلَاةٌ سَبَبُهَا وَاحِدٌ وَهُوَ الطَّوَافُ فَمَا وَجْهُ التَّفْرِقَةِ فِيهَا، وَالْوَجْهُ الْإِسْرَارُ فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ ذَاتُ سَبَبٍ فَلَا تُقَاسُ عَلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، وَبِأَنَّ سَبَبَهَا مَطْلُوبٌ كُلَّ وَقْتٍ فَلَا تُقَاسُ بِذَوَاتِ الْأَسْبَابِ الْمُقَيَّدَةِ، وَبِأَنَّ مَا هُنَا بَابُ اتِّبَاعٍ. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْكُسُوفِ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْجَهْرِ أَوْ الْإِسْرَارِ لَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِمَا مَثَلًا تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ الْمُوَالَاةُ) وَقِيَاسُ الصَّلَاةِ وُجُوبُهَا عَلَى صَاحِبِ الضَّرُورَةِ بِلَا خِلَافٍ.

قَوْلُهُ:

ــ

[حاشية عميرة]

فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْزِلِ، وَإِنْ كَانَتَا نَافِلَةً ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِعْلَهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهِمَا فِي الْكَعْبَةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ أَطْلَقُوا أَنَّ النَّفَلَ دَاخِلَهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ.

تَنْبِيهٌ: أَفَادَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الصَّلَاةَ إلَى جِهَةِ الْبَابِ الشَّرِيفِ، أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ مَا عَدَا نَفْسَ الْحِجْرِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُمَا خَلْفَ الْمَقَامِ يَفْعَلْهُمَا فِي الْحِجْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الشَّيْخِ، لِأَنَّ الَّذِي فِي الْحِجْرِ فِي الْبَيْتِ، وَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ أَفْضَلُ إلَى جِهَةٍ مِنْ الْبَيْتِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: وَفِي قَوْلٍ «تَجِبُ الْمُوَالَاةُ أَيْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا. وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ثُمَّ مَحَلُّ الْوُجُوبِ الطَّوَافُ الْمَفْرُوضُ، وَيَصِحُّ السَّعْيُ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>