وقرأ ابن عامر وحده «منكم» بكاف وَآثاراً فِي الْأَرْضِ أي قصورا للسكنى وحصونا للقتال ومصانع للمياه فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، أي أهلكهم الله بسبب تكذيبهم الرسل بضروب الهلاك وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ (٢١) ، أي لم يجدوا من يمنعهم من الله ومن يخلصهم من عذاب الله.
وقرأ ابن كثير بالياء في الوقف. ذلِكَ العذاب في الدنيا بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي بالأحكام الظاهرة، وبالمعجزات الباهرة، فَكَفَرُوا بذلك، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أخذا وبيلا، إِنَّهُ قَوِيٌّ بأخذه شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) لمن عاقبه وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا، وهي معجزاته وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) ، أي حجة مبينة إِلى فِرْعَوْنَ- ملك مصر- وَهامانَ- وزير فرعون- وَقارُونَ- ابن عم موسى- فَقالُوا لموسى فيما أظهره من المعجزات: هذا ساحِرٌ وفيما ادعاه من رسالة رب العالمين: هذا كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ، أي بتلك المعجزات الباهرة مِنْ عِنْدِنا قالُوا أي- فرعون وأتباعه- اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ، أي لا تقتلوا بناتهم للخدمة. وهذا القتل غير القتل الذي وقع في وقت ولادة موسى عليه السلام، لأن فرعون قد كف عن قتل الولدان بعد ولادة موسى، فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بني إسرائيل، لئلا ينشئوا على دين موسى، فيقوى بهم، زعما منه أن القتل يمنع الناس من الإيمان وظنا منهم أن موسى هو الذي حكم المنجمون والكهنة بزوال ملكهم على يده. وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ (٢٥) ، أي بطلان. لأن الله تعالى شغلهم عن ذلك القتل بما أنزل إليهم من أنواع العذاب: كالضفادع، والقمل، والدم، والطوفان إلى أن خرجوا من مصر، فأغرقهم الله تعالى، ولأن الناس لا يمتنعون من الإيمان وإن فعل بهم مثل هذا. وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وغرض فرعون من هذا الكلام إخفاء خوفه لأن أحدا ما منع فرعون من قتل موسى، وقد كان فرعون استيقن أن موسى نبي وأن ما جاء به آيات باهرة، وما هو بسحر، ولكن كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك، ويخاف من أنه لو حاول قتله لظهرت منه معجزات قاهرة تمنعه من قتله، فيفتضح، وكان من دهائه ووقاحته قال هذا تمويها لقومه: أنه إذا امتنع من قتله رعاية لقلوبهم ربما ظنوا أن موسى كان محقا، وعجزوا عن جوابه، فقتلوه إيهاما أنهم هم الكافّون له عن قتله ولولاهم لقتله وما كان الذي يكفه إلّا ما في نفسه من الفزع الهائل. وَلْيَدْعُ رَبَّهُ الذي يزعم أنه أرسله إلي حتى يخلصه مني. وهذا على سبيل الاستهزاء في إظهار عدم المبالاة بدعائه، إِنِّي أَخافُ إن لم أقتله أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ الذي أنتم عليه من عبادة فرعون والأصنام، أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) من قتل أبنائكم واستخدام نسائكم.