أي حال كونه يسرع في طلب الخير وَهُوَ يَخْشى (٩) من الله، أي وهو مسلم فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) أي تتشاغل بصناديد قريش. وقرأ طلحة بن مصرف «تتلهى» . وقرأ أبو جعفر «تلهى» ، أي يلهيك شأن الصناديد
كَلَّا أي لا تفعل مثل ذلك، أي وذلك محمول على ترك الأولى إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) أي إن القرآن موعظة فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) أي فمن رغب في القرآن اتعظ به، ومن لم يرده فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره فِي صُحُفٍ أي ذلك القرآن مثبت في صحف منتسخة من اللوح المحفوظ مُكَرَّمَةٍ (١٣) عند الله تعالى، مَرْفُوعَةٍ في السماء السابعة، مُطَهَّرَةٍ (١٤) أي منزهة عن مساس أيدي الشياطين، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) أي ملائكة يكشفون الوحي بين الله ورسله، أو يكتبون الكتب ناقلين من اللوح المحفوظ كِرامٍ أي عند الله تعالى بَرَرَةٍ (١٦) أي صادقين لله في أعمالهم. وقال القرطبي: إن المراد بما في قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة: ٧٩] هؤلاء السفرة الكرام البررة، وقوله: بِأَيْدِي متعلق ب «مطهرة» .
قال القفال: لما لم يمس الصحف إلا الملائكة المطهرون أضيف التطهر إليها لطهارة من يمسها. قُتِلَ الْإِنْسانُ أي لعن الكافر ما أَكْفَرَهُ (١٧) أي أيّ شيء أكفره، وهو تعجب من إفراطه في الكفران، والتعجب بالنسبة للمخلوقين، والمعنى: اعجبوا من كفر الإنسان بجميع ما ذكرناه بعد هذا، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) وهذا استفهام تقرير في التحقير، أي فليتفكر الإنسان في نفسه من أيّ شيء خلقه الله، ثم بيّن الله له فقال: مِنْ نُطْفَةٍ أي ماء حقير، خَلَقَهُ فمن كان أصله مثل هذا الشيء الحقير، فالتكبر لا يكون لائقا به فَقَدَّرَهُ (١٩) أي فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء، أو فقدره أطوارا نطفة، ثم علقة إلى أن تم خلقه، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) أي ثم سهل الله خروجه من بطن أمه وكان رأس المولود في بطن أمه، من فوق ورجلاه من تحت، فإذا جاء وقت الخروج انقلب، فخروجه حيا من ذلك المنفذ الضيق من أعجب العجائب، أو ثم بين طريق الخير والشر التي تتعلق بالدنيا، والتي تتعلق بالدين،
ثُمَّ أَماتَهُ بعد ذلك، فَأَقْبَرَهُ (٢١) أي جعله الله ذا قبر يوارى فيه تكرمة له، ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) أي بعثه من القبر كَلَّا، أي لا تتكبر، ولا تصر على إنكار التوحيد، وعلى إنكار البعث، أو حقا يا محمد لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) ، أي لم يعمل الإنسان الكافر بما أمره الله به من التأمل في دلائل الله والتدبر في عجائب خلقه وبينات حكمته، فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ
(٢٤) الذي جعله الله سببا لحياته كيف دبر الله أمره، أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ أي الغيث على الأرض، صَبًّا (٢٥) .
قرأ عاصم وحمزة والكسائي «أنا» بفتح الهمزة على أنه بدل اشتمال من طعامه، لأن الماء سبب لحدوث الطعام، فهو مشتمل عليه. والباقون بالكسر على الاستئناف. وقرئ «إني» بالإمالة، أي كيف صببنا الماء صبا عجيبا! ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ بالنبات شَقًّا (٢٦) بديعا لائقا به فَأَنْبَتْنا فِيها أي الأرض حَبًّا (٢٧) ، وهو كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما،