حَكِيمٌ (٣٨) في شرائعه وتكاليفه فَمَنْ تابَ إلى الله تعالى مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ أي سرقته وَأَصْلَحَ بأن يتوب بنية صالحة صادقة وعزيمة صحيحة خالية عن سائر الأغراض فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ أي يقبل توبته تفضلا منه وإحسانا لا وجوبا عليه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) فلا يعذبه في الآخرة ولا يسقط عنه القطع بالتوبة بل يقطع على سبيل الامتحان عند الجمهور. وقيل: يسقط بها الحد. وقال الشافعي: إن عفا المستحق عنه قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمالك له أن يتصرف في ملكه كيف شاء يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) فيقدر على التصرف الكلي فيهما وفيما فيهما بحسب ما تقتضيه مشيئته تعالى ونحن نعتقد أن المغفرة تابعة للمشيئة في حق غير التائب
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ أي لا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر وذلك بسبب احتيالهم في استخراج وجوه المكر في حق المسلمين وفي مبالغتهم في موالاة المشركين فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم.
وقرأ نافع «يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي. وقرئ «يسرعون» من أسرع والباء متعلقة بقالوا لا بآمنا. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في حق عبد الله بن أبي وأصحابه. وقيل: نزلت في عبد الله بن صوريا وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ أي إن هؤلاء القوم من اليهود لهم صفتان سماع الكذب في دين الله وفي طعن محمد صلّى الله عليه وسلّم من أحبارهم ونقله إلى عوامهم وسماع الحق منك، ونقله لأحبارهم ليحرفوه. أي فيكونوا وسائط بينك وبين قوم آخرين، والوسائط هم يهود بني قريظة كعب وأصحابه. والقوم الآخرون هم يهود خيبر فهم لا يقربون مجلسه صلّى الله عليه وسلّم لبغضهم إياه وتكبرهم. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أي يضع هؤلاء الأحبار الجلد مكان الرجم، والطعن في محمد مكان المدح في التوراة يَقُولُونَ أي المحرفون وهم القوم الآخرون للسماعين لهم عند إلقائهم إليهم أقاويلهم الباطلة مشيرين إلى كلامهم الباطل: إِنْ أُوتِيتُمْ من جهة محمد هذا المحرف من جلد المحصن فَخُذُوهُ أي فاقبلوا منه وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ولا تقبلوا منه.
قال المفسرون: إن رجلا وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا وهما محصنان وكان حد الزنا في التوراة الرجم، فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فأرسلوهما مع قوم منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن حكمه في الزنيين. وقالوا: إن أمركم بالجلد وتسويد الوجه فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فاحذروا ولا تقبلوا. فلما سألوا رسول الله عن ذلك نزل جبريل بالرجم فأبوا أن يأخذوا به. فقال له جبريل عليه السلام: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا. فقال الرسول:«هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له: ابن صوريا؟» . قالوا: نعم. فقال: «هو أيّ