أي عالم ما غاب عن العباد وما يكون وما علمه العباد، وما كان فيدبر أمرهما.
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) فهو قادر على الانتقام من الكفرة واسع الرحمة على البررة الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) أي بدأ آدم عليه السلام من أديم الأرض على فطرة عجيبة ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته مِنْ سُلالَةٍ أي من نطفة مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ، أي من ماء ضعيف مخلوط من ماء الرجل والمرأة، ثُمَّ سَوَّاهُ أي عدله بتكميل أعضائه في الرحم وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أي جعل الروح فيه، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ على مقتضى الحكمة وذلك لأن الإنسان يسمع أولا من الناس أمورا فيفهمها، ثم يحصل له بسبب ذلك بصيرة فيبصر الأمور ويجربها، ثم يحصل له بسبب ذلك إدراك تام وذهن كامل فيستخرج الأشياء من قلبه، قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (٩) أي فتشكرون شكرا قليلا، وَقالُوا أي أبو جهل وأصحابه: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أي أإذا غبنا في الأرض بالدفن بأن صرنا ترابا مخلوطا بترابها بحيث لا نتميز منه، أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي أإنا يجدد خلقنا بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) أي ليس إنكارهم لمجرد الخلق ثانيا، بل يكفرون بجميع أحوال الآخرة حتى لو صدقوا بالخلق الثاني لما اعترفوا بالعذاب والثواب،
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ، أي قل يا أشرف الخلق: يقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكّل بكم بقبض أرواحكم. وذلك دليل على بقاء الأرواح، فلا بد من الحياة بعد الموت لا كما تزعمون أن الموت من الأحوال الطبيعية العارضة للحيوان بموجب الجبلة، ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) بالبعث للحساب والجزاء، وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا أي ولو ترى أيها المخاطب إذ المشركون خافضوا رؤوسهم عند ربهم من الحياء والخزي عند ظهور قبائحهم يقولون: ربنا أبصرنا قبح أعمالنا وكنا نراها في الدنيا حسنة، وأبصرنا الحشر وَسَمِعْنا قول الرسول، وإن مردنا إلى النار، فَارْجِعْنا إلى الدنيا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) أي إنا آمنا في الحال، أي لو ترى حالهم وتشاهد استخجالهم لترى عجبا وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها أي قال تعالى جوابا عن قولهم ذلك إني لو أرجعتكم إلى الإيمان لهديتكم في الدنيا، ولما لم أهدكم تبين إني ما شئت إيمانكم فلا أردكم إلى الدنيا. وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي أي سبقت كلمتي حيث قلت لإبليس فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين. وهو المراد بقوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) أي من كفارهم فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي لا رجع لكم إلى الدنيا فذوقوا بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم الهائل وترككم التفكر فيه. إِنَّا نَسِيناكُمْ أي إنا تركناكم بالكلية غير ملتفت إليكم قطعا لرجائكم، وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ أي العذاب الدائم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) في الكفر إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها أي بتلك الآيات