ويقال لها سورة الغرف مكية، إلّا آيتين نزلتا بالمدينة إحداهما: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ والأخرى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ الآية، خمس وسبعون آية، ألف ومائة واثنتان وتسعون كلمة، أربعة آلاف وسبعمائة وثمانية أحرف
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) ، أي هذه السورة تنزيل الكتاب من الله إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أي ملتبسا بكل ما فيه حق لا ريب فيه موجب للعمل به حتما، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) ، أي فاعبده تعالى ممحضا له الدين من شوائب الشرك والرياء.
وقرأ ابن أبي عبلة برفع الدين على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ أي ألا هو الذي يجب أن يخص بإخلاص الطاعة له لأنه المنفرد بصفات الألوهية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، والموصول مبتدأ وهو عبارة عن المشركين وخبره محذوف، والوقف على «زلفى» كاف، كما قاله أبو عمرو. وقيل: تام أي والمشركون الذي عبدوا من غير الله أربابا ملائكة وعيسى وعزيرا، والأصنام، والشمس، والقمر، والنجوم يقولون: ما نعبدهم إلّا ليقربونا إلى الله في المنزلة، إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
وقرئ «ما نعبدكم إلّا لتقربونا» حكاية لما خاطبوا له آلهتهم، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي أي لا يوفق للاهتداء إلى الحق مَنْ هُوَ كاذِبٌ في وصفهم لغير الله بأنهم آلهة مستحقة للعبادة كَفَّارٌ (٣) لاعتقادهم في غير الله بالإلهية ولكفرانهم نعمة المنعم، وهو الله تعالى فإن العبادة نهاية التعظيم، وهي لا تليق إلّا بمن يصدر عنه غاية الإنعام لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً من الملائكة والآدميين كما قالت اليهود والنصارى، وبنو مليح لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ إذ كل موجود سواه مخلوق له، لكن اتخاذ الولد من خلقه باطل لاستحالة كون المخلوق من جنس الخالق، ولأن كونه منه يستلزم حدوث الخالق، وهو ممتنع عقلا ونقلا سُبْحانَهُ أي تنزيها له عن اتخاذ الولد هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) ، أي إن كون الله إلها واجب الوجود لذاته يوجب