ظنوا أنهم قد أخطئوا الطريق فقالوا: إنا لضالون طريق بستاننا، ثم لما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا:
لسنا ضالين بل نحن محرومون منفعة جنتنا بشؤم عزمنا على البخل، ومنع الفقراء، ويحتمل أنهم لما رأوا جنتهم محترقة قالوا: إنا لضالون في الاعتقاد حيث كنا نعتقد كوننا قادرين على الانتفاع بها، وحيث كنا عازمين على منع الفقراء بل الأمر انقلب علينا فصرنا محرومين، قالَ أَوْسَطُهُمْ أي أفضلهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) أي هلا تذكرون الله تعالى وتتوبون إليه من خبث نيتكم حيث عزمتم على منع الزكاة؟ قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا عن أن يجري في ملكه ما لا يشاؤه، إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) بالإقسام على جذ الجنة في الصباح ومنع المساكين وترك الاستثناء. فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) أي يلوم بعضهم بعضا يقول واحد منهم: أنت أشرت علينا بهذا الرأي ويقول الآخر: أنت الذي خوفتنا بالفقر ويقول الثالث: أنت الذي رغبتني في جمع المال.
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) أي يا هلاكنا هذا وقت منادمتك لنا إنا كنا متجاوزين حد الله بمنعنا المساكين، عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها أي أن يعطينا خيرا من جنتنا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالذنوب.
وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الباء وتشديد الدال إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) أي طالبون منه الخير، راجون عفوه وروي أنهم قالوا: إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنع أبونا، فتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء، فأبدلهم الله تعالى من ليلتهم ما هو خير منها، فإن الله أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع تلك الجنة المحترقة، فيجعلها بزعر من أرض الشام، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن القوم أخلصوا، وعرف الله منهم الصدق، فأبدلهم الله جنة يقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا كم كبره. وقال أبو خالد اليماني: دخلت تلك الجنة، فرأيت فيها كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم، كَذلِكَ الْعَذابُ أي مثل الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة في صروان عذاب الدنيا لمن منع حق الله من ماله، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ لمن لا يتوب أَكْبَرُ من عذاب الله في الدنيا، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) أنه أكبر لاحترزوا عما يؤديهم إليه، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي في الآخرة جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) ، أي جنات ليس لهم فيها إلا التنعم الخالص، لا يشويه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا.
قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين: إن الله تعالى فضلنا عليكم في الدنيا فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل فأقصى أمركم أن تساوونا فأجاب الله عن هذا الكلام بقوله: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) أي أنحيف في الحكم فنجعل المسلمين كالكافرين أي مساوين لهم في العطاء، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أي أيّ شيء يحصل لكم يا أهل مكة، وأيّ حال يدعوكم إلى هذا الحكم هل هو صادر عن اختلال فكر أو اعوجاج