تعالى هو الحر الكريم وإبليس هو الشرير اللئيم. ويقولون: إبليس مع الله شريك، فالله خالق الخير، وإبليس خالق الشر- وهو مذهب المجوس القائلين بيزدان وأهرمن- وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) أي ولقد علمت الشياطين أن الله تعالى يحضرهم النار، ويعذبهم بها ولو كانوا شركاء لله في استحقاق العبادة لما عذبهم، ثم نزّه الله نفسه عما قالوا من الكذب فقال: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) أي عما يقولون من الكذب إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) أي لكن عباد الله المخلصين لله بالاعتقاد والعبادة، فإنهم لا يكذبون على الله، وينزهون الله تعالى عما يصفه به تعالى الكاذبون، وكل من لم يجعل بين الله وبين الجنة مناسبة فهو عند الله مخلص
ممن الشرك،
فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) ، أي فإنكم ومعبوديكم أيها المشركون لستم بفاتنين عليه تعالى بإفساد عباده وإضلالهم، إلا أصحاب النار الذي سبق في علم الله كونهم من أهل النار، فإنهم يصرون على الكفر بسوء اختيارهم. وهذا استثناء مفرغ.
وقرأ العامة «صال الجحيم» بكسر اللام، لأنه منقوص حذفت منه لام كلمته لالتقاء الساكنين. وقرأ الحسن بضم اللام وسقوط الواو لالتقاء الساكنين ومن موحد اللفظ مجموع المعنى، وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) ، أنزل الله تعالى هذه الآية حكاية عن قول الملائكة وهي حكاية لاعتراف الملائكة بالعبودية للرد على عبدتهم، أي وما منا ملك إلا له مكان معلوم في العبادة- قاله ابن مسعود وابن جبير-
وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما في السماء موضع قدم إلّا عليه ملك ساجد أو قائم»
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) في أداء الطاعة ومنازل الخدمة، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) أي المنزهون لله تعالى عما لا يليق به تعالى وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) أي إن مشركي قريش وغيرهم كانوا يقولون: لو أن عندنا كتابا من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل لأخلصنا العبادة لله، ولما كذبنا كما كذبوا، ثم جاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الشاهد على كل الكتب وهو القرآن، فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) عاقبة هذا الكفر والتكذيب،
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) ، أي وبالله لقد سبق وعدنا لهم وهو إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) بالحجة إِنَّ جُنْدَنا
وهم أتباع المرسلين هُمُ الْغالِبُونَ
(١٧٣) على أعدائهم في الدنيا والآخرة، ولا يقدح في ذلك انهزامهم في بعض المشاهد، فإن أساس أمرهم النصرة، وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من المحنة، والحكم للغالب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة. وقرئ «على عبادنا» بتضمين «سبقت» معنى حقت. وقرئ «كلماتنا» . فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) ، أي أعرض عن كفار مكة إلى مدة يسيرة تؤمر فيها بجهادهم، وَأَبْصِرْهُمْ وما يقضي عليهم من القتل والأسر في الدنيا ومن العذاب في الآخرة فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) ما يقع عليهم من الأمور، أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) .