للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورابعها: سبيل غيب لا سبيل لأهل السموات والأرض إلى علمه إلا من ارتضى له الله تعالى كما قال تعالى: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: ٢٦، ٢٧] وبهذا يستدل على فضيلة الرسل على الملائكة، لأن الله تعالى اختصهم بإظهاره تعالى إياهم على غيبه دون الملائكة، ولهذا أسجدهم لآدم كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله خلق آدم فتجلى فيه» .

وخامسها: غيب انفرد الله بعلمه وهو قيام الساعة فلا يعلمه إلا الله تعالى كما قال تعالى:

وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) أي متى ينشرون من القبور. وقرئ بكسر الهمزة. بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وقرأ أبو عمرو وابن كثير «بل أدرك» بسكون اللام وفتح الهمزة وسكون الدال على وزن «أكرم» . والباقون بكسر اللام ووصل الهمزة وتشديد الدال وبعدها ألف، وأصله «تدارك» وبه قرأ أبيّ.

قال ابن عباس: أي بل اجتمع علمهم على أن الآخرة لا تكون، أي فلم يعتقدوها بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أي من نفس الآخرة كمن تحير في أمر لا يجد عليه دليلا، بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) أي لا يدركون دلائلها لاختلال بصائرهم والله تعالى وصف المشركين أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم وصفهم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ثم وصفهم بأنهم يخبطون في شك، ثم وصفهم بأن قلوبهم عمي فهم كالبهائم لا يخطرون ببالهم حقا ولا باطلا ويستقر همهم على البطون والفروج. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة: أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) أي أنخرج من القبور أحياء إذا صرنا رميما ترابا؟ لَقَدْ وُعِدْنا هذا أي الإخراج من القبور كما كنا أول مرة نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ، أي من قبل مجيء وعد محمد إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) ! أي ما هذا الذي تعدنا يا محمد إلا أحاديث الأولين التي لا حقيقة لها. قُلْ يا أشرف الخلق لأهل مكة: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي سافروا فيها أيها الجاهلون، فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) أي كيف كان آخر أمر المنكرين للبعث، المكذبين للرسل فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر، وهو هلاكهم بالعذاب الدنيوي، لأن في مشاهدة ذلك ما فيه كفاية لمن اعتبر وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ يا أكرم الرسل فيما مضى لإصرارهم على الكفر. وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) أي ولا تكن في ضيق قلب من مكرهم في المستقبل.

وقرأ ابن كثير بكسر الضاد.

وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي العذاب الموعود إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) في إخباركم بمجيء العذاب؟ قُلْ لهم يا سيد الرسل: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) ف «عسى ولعل، وسوف» بمنزلة الجزم في مواعيد الملوك، أي لا بد أن يكون بعض الذي تستعجلونه حلوله لحقكم، وهو عذاب يوم بدر واللام مزيدة وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ أي إنه متفضل عليهم بتأخير عقوبتهم على ما يفعلونه من المعاصي وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) بتأخير العذاب لأنهم لا يعرفون حق النعمة فيه وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>