عام يتناول الوعد والوعيد، فثبت أن ترجيح الوعد حق خلافا للمعتزلة.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ؟ أي ألم تعلم أن الله أنزل من السماء مطرا إلى بعض المواضع، ثم يقسمه فيدخله في مجاري في خلال الأرض كالعروق في الأجساد. ويقال:
فيدخل ذلك المطر في خلال الأرض حال كونه مياها نابعة في الأرض، ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ أي ينبت بالمطر زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أي أصنافه من بر وشعير وسمسم وغيرها، وصفاته من طعوم وألوان خضرة، وحمرة، وصفرة، وبياض وغير ذلك. ثُمَّ يَهِيجُ أي يتم جفافه فَتَراهُ مُصْفَرًّا بعد خضرته.
وقرئ مصفارا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أي منكسرة إِنَّ فِي ذلِكَ أي المذكور من الأفعال الخمسة لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) ، أي لتذكيرا عظيما لأصحاب العقول الصافية يتذكرون بذلك أن حال الحياة الدنيا في سرعة الانصرام كما يشاهدونه من حال الحطام كل عام، فلا يغترون ببهجتها، ويجزمون بأن من قدر على إنزال الماء من السماء وإجرائه في عيون الأرض قادر على إجراء الأنهار من تحت الغرف في الجنة، أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ! أي أكل الناس سواء فمن جعله مستعدا للإسلام فهو على هداية من ربه ف «من» شرطية وخبرها ما بعدها. وقيل: اسم موصول مبتدأ خبره محذوف والتقدير: أفمن شرح الله صدره للإسلام فاهتدى فهو على لطف إلهي فائض عليه كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته! فَوَيْلٌ، أي عذاب وخسران لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، أي من أجل ذكر الله، فإذا سمعوه نفروا وازدادوا قسوة، ولما نزل قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون: ١٢]
وكان قد حضر هناك عمر بن الخطاب وإنسان آخر، فلما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى قوله تعالى:
ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون: ١٤] قال كل واحد من القوم فتبارك الله أحسن الخالقين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«اكتب فهكذا أنزلت»«١» . فازداد عمر إيمانا على إيمان وازداد ذلك الإنسان كفرا على كفر.
وقرئ «عن ذكر الله» ، أي عن قبول ذكر الله أُولئِكَ أي الذين قست قلوبهم فِي ضَلالٍ أي بعد عن الحق مُبِينٍ (٢٢) ، أي ظاهر كونه ضلالا لكل أحد قيل: نزلت هذه الآية في حمزة وعلي رضي الله عنهما، وأبي لهب وولده. وقيل: في عمار بن ياسر، وأبي جهل وأصحابه. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ بحسب لفظه لفصاحته وجزالته وبحسب معناه لاشتماله
(١) رواه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنّة، باب: ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الدنيا، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب: ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، وأحمد في (م ٢/ ص ٦١) .