الأرض محاربين مع إبليس، لأن الله تعالى لما أسكن الجن الأرض فأفسدوا فيها، وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضا بعث الله إبليس في جند من الملائكة فقتلهم إبليس بعسكره حتى أخرجوهم من الأرض وألحقوهم بجزائر البحر. وهؤلاء خزّان الجنان أنزلهم الله من السماء إلى الأرض لطرد الجن إلى الجزائر والجبال وسكنوا الأرض فخفّف الله عنهم العبادة وكان إبليس يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء، وتارة في الجنة فدخله العجب وقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه. فقال تعالى له ولجنده: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أي بدلا منكم ورافعكم إليّ فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة. والمراد به آدم عليه السلام قالُوا استكشافا عمّا خفي عليهم من الحكمة لا اعتراضا على الله تعالى ولا طعنا في بني آدم على طريق الغيبة: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها بالمعاصي بمقتضى القوة الشهوانية وَيَسْفِكُ الدِّماءَ بالظلم بمقتضى القوة الغضبية- فغفلوا عن مقتضى القوة العقلية التي بها يحصل الكمال والفضل- وَنَحْنُ نُسَبِّحُ أي ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك ملتبسين بِحَمْدِكَ على ما أنعمت به علينا من فنون النعم، التي من جملتها توفيقنا لهذه العبادة. فالتسبيح لإظهار صفات الجلال، والحمد لتذكير صفات الأنعام وَنُقَدِّسُ لَكَ أي نصفك بما يليق بك من العلو والعزّة، وننزهك عما لا يليق بك. وقيل: المعنى نطهّر نفوسنا عن الذنوب لأجلك، أي فنحن أحق بالاستخلاف قالَ تعالى: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠) من مصلحة استخلاف آدم عليه السلام.
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها أي أسماء كل ما خلق الله من أجناس المحدثات من جميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها ولد آدم اليوم ثُمَّ عَرَضَهُمْ أي ذوات الأشياء عَلَى الْمَلائِكَةِ بأن صور الله الأشياء في قلوبهم فصارت كأنهم شاهدوها، أو خلق الله تعالى معاني الأسماء التي علّمها آدم حتى شاهدتها الملائكة فَقالَ تعالى لهم توبيخا: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ المسميات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) في زعمكم أنكم حق بالخلافة ممن استخلفته. قالُوا إقرارا بالعجز: سُبْحانَكَ أي تبنا إليك من ذلك القول لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا أي وإنما قالوا:
أتجعل فيها من يفسد فيها، لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا: إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. فقلنا لك: أتجعل فيها من يفسد فيها، وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ أي الذي لا يخرج عن علمه شيء، الْحَكِيمُ (٣٢) أي المحكم لصنعته قالَ تعالى: يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ أي أخبر الملائكة بِأَسْمائِهِمْ أي المسميات فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ مفصلة وبيّن لهم أحوال كل من المسميات وخواصه وأحكامه المتعلقة بالمعاش والمعاد قالَ الله تعالى لهم موبخا: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي أعلم غيب ما يكون فيهما وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ أي تظهرون من قولكم:
أتجعل فيها إلى آخره وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٣٣) أي من استبطانكم أنكم أحقاء بالخلافة.