روي عن ابن عباس وسائر المفسرين أن رجلا فقيرا في بني إسرائيل قتل ابن أخيه أو أخاه أو ابن عمه لكي يرثه، ثم رماه في مجمع الطريق، ثم شكا ذلك إلى موسى عليه السلام فاجتهد موسى في تعرف القاتل فلما لم يظهر قالوا له: سل لنا ربك حتى يبينه، فسأله، فأوحى الله إليه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتعجبوا من ذلك، ثم شددوا على أنفسهم بالاستفهام حالا بعد حال، واستقصوا في طلب الوصف، فلما تعينت البقرة لم يجدوها بذلك النعت إلا عند إنسان معين، ولم يبعها إلا بأضعاف ثمنها، فاشتروها فذبحوها، وأمرهم موسى أن يأخذوا عضوا منها فيضربوا به القتيل ففعلوا فصار المقتول حيا وعين لهم قاتله، وهو الذي ابتدأ بالشكاية فقتلوه قودا. قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً أي أتستهزئ بنا يا موسى فإن سؤالنا عن أمر القتيل وأنت تأمرنا بذبح بقرة، وإنما قالوا ذلك لأنهم لم يعلموا أن الحكمة هي حياة القتيل بضربه ببعض البقرة وإخباره بقاتله.
قالَ أي موسى: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧) أي المستهزئين بالمؤمنين، لأن الهزء في أثناء تبليغ أمر الله تعالى جهل فما علموا أن الأمر بالذبح حق. قالُوا ادْعُ لَنا أي لأجلنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ أي ما سنها أصغيرة أو كبيرة. قالَ إِنَّهُ أي الله تعالى يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ أي كبيرة في السن وَلا بِكْرٌ أي صغيرة عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ أي وسط بين المسنة والفتية فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) به من ذبحها قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ تعالى يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها أي صاف لونها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) إليها بسبب حسنها وتعجبهم من شدة صفرتها لغرابتها وخروجها عن المعتاد. قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ أعاملة هي أم لا؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) إلى وصفها أو إلى القاتل
قالَ إِنَّهُ تعالى يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ أي غير مذللة تُثِيرُ الْأَرْضَ أي تقبلها للزراعة وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ أي الزرع مُسَلَّمَةٌ من كل عيب لا شِيَةَ فِيها أي لا خلط في لونها.
قال مجاهد: لا بياض فيها ولا سواد. قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ أي نطقت بالبيان المحقق ففتشوا عليها فوجدوها عند الفتى البار لأمه فاشتروها بملء جلدها بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١) أي ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم. ويقال: وما كادوا أن يذبحوها لأجل غلاء ثمنها أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل.
روي أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له ابن طفل وله عجلة، فأتى بها إلى الغيضة.
وقال: اللهم إني استودعتك هذه العجلة لابني حتى يكبر فكانت من أحسن البقر وأسمنها، فلما كبر الابن كان بارا لوالدته فكان يقسّم الليل أثلاثا يصلي ثلثا، وينام ثلثا، ويجلس عند رأس أمه ثلثا، فلما أصبح احتطب على ظهره فيبيع الحطب في السوق، ثم يتصدق بثلثه، ويأكل ثلثه ويعطي والدته ثلثه، ثم أمرته أمه أن يأخذ تلك العجلة من الغيضة. فلما أخذها قالت له أمه: إنك