للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقومهم: إنه بشر مثلكم والبشر لا يكون رسولا من عند الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك فلم يفدهم طلب نزول الملك، لأنه لو نزل لهم الملك لنزل على صورة رجل لعدم استطاعتهم لمعاينة هيكله ولأن الجنس إلى الجنس أميل فيقولون له: ما أنت إلا بشر مثلنا ويقولون: إنا لا نرضى برسالة هذا الشخص فيعود سؤالهم ويستمرون يطلبون الملك فلا تنقطع شبهتهم فنزول الملك لا يفيدهم شيئا يزدادون في الحيرة والاشتباه، وأيضا إن طاعات الملائكة قوية فيستحقرون طاعة البشر وربما لا يعذرونهم في الإقدام على المعاصي وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ أي وبالله لقد استهزئ برسل أولي شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك. وهذه

الآية تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أي تخفيف لضيق قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند سماعه من القوم الذين قالوا: إن رسول الله يجب أن يكون ملكا من الملائكة ووعيد أيضا لأهل مكة فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) أي فدار وأحاط بالذين سخروا من أولئك الرسل عليهم السلام العذاب الذي يستهزئون به وينكرونه، فإن الكفار كانوا يستهزئون بالعذاب الذي كان يخوفهم الرسول بنزوله. أو المعنى فأحاط بمن استهزأ بالشرائع من الرسل عقوبة استهزائهم بالرسول المندرج في جملة الرسل

قُلْ يا أكرم الرسل لأهل مكة: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ أي قل لهم: لا تغتروا بما وجدتم من الدنيا وطيباتها ووصلتم إليه من لذاتها وشهواتها بل سيروا في الأرض لتعرفوا صحة ما أخبركم الرسول عنه من نزول العذاب على الذين كذبوا الرسل في الأزمنة السالفة. ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) أي ثم تكفروا في أنهم كيف أهلكوا بعذاب الاستئصال فإنكم عند السير في الأرض والسفر في البلاد لا بد وأن تشاهدوا تلك الآثار فيكمل الاعتبار ويقوى الاستبصار. قُلْ يا أشرف الخلق لأهل مكة: لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي لمن الكائنات جميعا خلقا وملكا وتصرفا فإن أجابوك فذاك، وإلا قُلْ لِلَّهِ لأنه لا جواب غيره كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي أوجب على نفسه إيجاب الفضل والكرم والرحمة لأمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بتأخير العذاب وقبول التوبة لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي والله ليجمعنكم في القبور محشورين إلى يوم القيامة. فيجازيكم على شرككم وسائر معاصيكم، أو ليجمعنكم إلى المحشر في يوم القيامة فإن الجمع يكون إلى المكان لا إلى الزمان لا رَيْبَ فِيهِ أي في الجمع الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) أي إن إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك في التقليد وترك النظر أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان، وأن سبق قضاء الله بالخسران هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان بحيث لا سبيل لهم إليه أصلا وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي له تعالى كل ما حصل في الزمان سواء كان متحركا أو ساكنا وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) فيسمع نداء المحتاجين ويعلم حاجات المضطرين قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا أي قل يا أشرف الخلق أغير الله أجعله معبودا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>