ظاهر العداوة والإضلال قالَ مناجيا مع الله تعالى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي بقتل القبطي من غير أمر، فإن فرعون إذا عرف ذلك قتلني به فَاغْفِرْ لِي أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون فَغَفَرَ لَهُ أي فستره عن الوصول إلى فرعون إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) أي المبالغ في ستر ذنوب عباده وفي رحمتهم قالَ موسى: رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) أي أقسم بإنعامك علي بالقوة والمعرفة فلن أكون معينا لأحد من المشركين، بل أكون معاونا للمسلمين أي إني وإن أسأت في هذا القتل الذي لم أومر به فلا أترك نصرة المسلمين على المجرمين، ونصرة المؤمن واجبة في جميع الشرائع. قال الفراء: وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني ظهيرا للمجرمين فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي فصار موسى في المدينة التي قتل فيها القبطي خائفا من أن يظهر أنه هو القاتل فيطلب بذلك القتل يترقب أي ينتظر نصرة الله إياه، فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ أي فإذا الإسرائيلي الذي استعان بموسى على القبطي يَسْتَصْرِخُهُ أي يطلب من موسى نصرته بصياح على قبطي آخر يريد أن يستخدم الإسرائيلي قالَ لَهُ أي للقبطي: مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) في تسخير هذا الإسرائيلي فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما أي فلما أراد موسى أن يأخذ عدوه وعدو الإسرائيلي بسطوة لخلاصة من عدوهما، لأن القبطي لم يكن على دينهما، ولأن القبط أعداء بني إسرائيل قالَ أي القبطي، وكان عرف القصة من الإسرائيلي أو كان توهم من زجر موسى للإسرائيلي أنه هو الذي قتل الرجل بالأمس:
يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي اليوم كَما قَتَلْتَ نَفْساً قبطيا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ أي ما تريد يا موسى إلا أن تفعل ما تريده في أرض مصر من ضرب وقتل، من غير نظر في العواقب وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) أي المتورعين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وانتشر حديث هذه الواقعة في المدينة، وانتهى إلى فرعون وهموا بقتله وَجاءَ رَجُلٌ هو مؤمن من آل فرعون اسمه: سمعان، وكان ابن عم فرعون مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ أي من آخرها يَسْعى أي يسرع في مشيه قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ أي أولياء المقتول يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ أي يأمر بعضهم بعضا بقتلك فاتفقوا على أن يحتالوا فيك ليهلوك فَاخْرُجْ من هذه المدينة إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) أي المشفقين
فَخَرَجَ موسى عليه السلام مِنْها أي المدينة خائِفاً على نفسه من آل فرعون يَتَرَقَّبُ أي ينتظر لحوق الطالبين ويكثر الالتفات وينظر هل يلحقه أحد يطلبه قالَ عند ذلك رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) أي خلصني منهم واحفظي من لحوقهم.
وهذا يدل على أن قتله عليه السلام لذلك القبطي لم يكن ذنبا وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ أي لما قصد الذهاب إلى مدين لأنها ليست تحت ملك فرعون ولأنه وقع في نفسه أن بينه وبين أهل مدين قرابة لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم عليه السلام، وهو منهم ولم يكن له علم بالطريق، بل اعتمد على فضل الله تعالى قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) ، وهي من إضافة الصفة للموصوف