للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقوية قلوبهم وإزالة الرعب عنها. والمعنى أن ضيق صدورهم عن قتالكم إنما هو بقذف الله الرعب في قلوبهم ولو قوّى قلوبهم على قتال المسلمين لتسلطوا عليهم. والمقصود من هذا الكلام أن الله تعالى منّ على المسلمين بكف بأس المعاهدين فَلَقاتَلُوكُمْ وهذا في الحقيقة جواب «لو» وما قبله توطئة له، وأعيدت اللام توكيدا فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ أي تركوكم فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أي الانقياد للصلح والأمان فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (٩٠) أي طريقا بالأسر أو بالقتل

سَتَجِدُونَ عن قريب آخَرِينَ أي قوما من المنافقين غير من سبق وهم قوم من أسد وغطفان كانوا مقيمين حول المدينة فإذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا. وقالوا لأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنا على دينكم- ليأمنوا من قتال المسلمين- وإذا رجعوا إلى قومهم كفروا أو نكثوا عهودهم- ليأمنوا من قومهم- حتى كان الرجل منهم يقول له قومه: بماذا أسلمت؟ فيقول:

آمنت بهذا القرد وبهذا العقرب والخنفساء، كما قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ أي يأمنوا من قتالكم بإظهار الإسلام عندكم وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ أي من بأسهم بإظهار الكفر إذا رجعوا إليهم كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أي كلما دعوا إلى قتال المسلمين أُرْكِسُوا فِيها أي قلبوا في الفتنة أقبح قلب وكانوا فيها شرا من كل عدو شرير. أي كلما دعاهم قومهم إلى الكفر وقتال المسلمين رجعوا إليه وهذا استعارة لشدة إصرارهم على الكفر وعداوة المسلمين لأن من وقع في شيء منكوسا يتعذر خروجه منه فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أي فإن لم يتركوا قتالكم ولم يطلبوا الصلح منكم ولم يكفروا أيديهم عن قتالكم فخذوهم أي وأسروهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي وجدتموهم في الحل والحرم وَأُولئِكُمْ أي أهل هذه الصفة جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١) أي جعلنا لكم على جواز قتل هؤلاء حجة واضحة وهي ظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر وإضرارهم بأهل الإسلام أو جعلنا لكم عليهم تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في أخذهم وقتلهم وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً أي ليس لمؤمن أن يقتل مؤمنا ألبتة إلا عند الخطأ وهو ما إذا رأى عليه شعار الكفار أو وجده في عسكرهم فظنه مشركا فههنا يجوز قتله ولا شك أن هذا خطأ فإنه ظن أنه كافر مع أنه غير كافر.

روي أن عياش بن أبي ربيعة أسلم في مكة وهاجر إلى المدينة قبل هجرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليها، وتحصن في أطم من آطامها خوفا من قومه، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس تحت سقف حتى يرجع فخرج أبو جهل بن هشام، والحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه، فقال أبو جهل: أليس إن محمدا يأمرك ببر الأم؟ فانصرف وأحسن إلى أمك وأنت على دينك. فرجع إلى مكة فلما دنوا من مكة قيدا يديه ورجليه وجلده كل واحد منهما مائة جلدة، فلما دخل على أمه حلفت لا يزول عنه القيد حتى يرجع إلى دينه الأول فتركوه موثوقا مطروحا في الشمس ما شاء

<<  <  ج: ص:  >  >>