«١» وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أي قل لأولئك الغافلين هذا الدين الحق إنما أتى من عند الله فإن قبلتموه عاد النفع إليكم وإن لم تقبلوه عاد الضرر إليكم ولا تعلق لذلك بالفقر والغنى والقبح، والحسن والخمول والشهرة فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ فالله تعالى لم يأذن في طرد من آمن وعمل صالحا لأجل أن يدخل في الإيمان جمع من الكفار وهذه الصيغة تهديد وليست بتخيير إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ أي هيأنا لمن أنف عن قبول الحق لأجل أن من قبلوه فقراء ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها أي فسطاطها فلا مخلص لهم منها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا من العطش يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ أي كدردي الزيت أو كالفضة المذابة يَشْوِي الْوُجُوهَ أي إذا قرب إلى الفم ليشرب سقطت فروة وجهه بِئْسَ الشَّرابُ ذلك الماء لأن المقصود بشرب الشراب تسكين الحرارة وهذا يبلغ في احتراق الأجسام مبلغا عظيما وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) أي وساءت النار منزلا ومجتمعا للرفقة مع الكفار والشياطين إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠) أي لا نبطل ثواب من أخلص عملا
أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ أي من تحت مساكنهم الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ويسور المؤمن في الجنة بسوار من ذهب وبسوار من فضة، وبسوار من لؤلؤ فيكون في يده هذه الأنواع الثلاثة وفي الحديث الصحيح تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وهو الديباج اللطيف وَإِسْتَبْرَقٍ وهو الديباج الصفيق فإن الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ أي ويجلسون في الجنة متربعين على السرر في الحجال وهي بيوت تزين بأنواع الزينة أما السرير وحده فلا يسمى أريكة نِعْمَ الثَّوابُ ذلك وَحَسُنَتْ أي الأرائك مُرْتَفَقاً (٣١) أي منزلا ومجتمعا للرفقة مع الأنبياء والصالحين وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أي بيّن لهؤلاء الذين يطلبون طرد المؤمنين لضعفهم مثل حال الكافرين والمؤمنين بحال رجلين شريكين في بني إسرائيل أحدهما كافر اسمه قطروس، والآخر مؤمن اسمه يهوذا أو تمليخا لهما ثمانية آلاف دينار، فاقتسماها فاشترى أحدهما أرضا بألف دينار فقال صاحبه: اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار وإني أشتري منك أرضا في الجنة بألف دينار فتصدق بها ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار فقال هذا: اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار وإني اشتريت منك دارا في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم تزوج صاحبه امرأة وأنفق عليها ألف دينار فقال هذا: اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم إن صاحبه
اشترى خدما ومتاعا بألف دينار فقال هذا: اللهم إني أشتري منك خدما ومتاعا في الجنة بألف دينار فتصدق بها، ثم أصابته حاجة شديدة فقال: لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف فجلس على طريق حتى مر به في حشمه فقام إليه فنظر إليه صاحبه فعرفه
(١) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (١٦٥٨٦) ، وأحمد ابن حنبل في الزهد (٣٧) .