للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في دعائه لكم إلى الضلالة فَمِنْهُمْ أي من تلك الأمم مَنْ هَدَى اللَّهُ إلى الحق الذي هو عبادته وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ أي ثبتت عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فلم يجب الرسول إلى الإيمان فضل عن الحق وعمي عن الصدق، ووقع في الكفر فَسِيرُوا يا معشر كفار قريش فِي الْأَرْضِ أي فإن كنتم في شك من أخبار الرسل فسيروا في الأرض فَانْظُرُوا في أكنافها واعتبروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) بالرسل من عاد وثمود وأمثالهم لتعرفوا أن العذاب نازل بكم كما نزل بهم إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ أي إن تطلب يا سيد الرسل توحيد كفار قريش بجهدك فلا تقدر على ذلك فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ أي لأنه تعالى لا يخلق الهداية قسرا فيمن يخلق فيه الضلالة لسوء اختياره. وقرئ «لا يهدي» بالبناء للمفعول وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) أي وليس لهم أحد يعينهم على مطلوبهم في الدنيا والآخرة من دفع العذاب عنهم وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي حلف الذين أشركوا غاية إيمانهم وإذا حلف الرجل بالله فقد حلف جهد يمينه فإن الكفار كانوا يحلفون بآبائهم وآلهتهم فإذا كان الأمر عظيما حلفوا بالله وهذا عطف على قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إعلاما بأنهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ فإنهم

يجدون في عقولهم أن الشيء إذا صار عدما محضا لا يعود بعينه، بل العائد يكون شيئا آخر ولقد رد الله تعالى عليهم أبلغ رد بقوله بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا أي بلى يبعثهم الله بالبعث وعدا حقا لا خلف فيه ثابتا على الله فينجزه لامتناع الخلف في وعده وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ أي أهل مكة لا يَعْلَمُونَ (٣٨) أنهم يبعثون لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناع البعث ولجهلهم بشئون الله تعالى من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال لِيُبَيِّنَ لَهُمُ أي بلى يبعثهم ليبين لمن يموت الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ من أمور البعث وغيرها من أمور الدين فيثيب المحق من المؤمنين ويعذب المبطل من الكافرين وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله بالإشراك وإنكار البعث والنبوة يوم القيامة أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) فيما أقسموا فيه وفي كل ما يقولون إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ أي شيء كان إِذا أَرَدْناهُ أي وقت إرادتنا لوجوده أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ أي أحدث وهو خبر المبتدأ فَيَكُونُ (٤٠) أي فيحدث عقب ذلك من غير توقف، وهذا تمثيل لنفي الكلام والتعب فليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور بل هو تمثيل لسهولة حصول المقدورات عند تعلق إرادته تعالى بها، وتصوير لسرعة حدوثها، ولكن العباد خوطبوا بذلك على قدر عقولهم، ولو أراد الله خلق الدنيا وما فيها في قدر لمح البصر لقدر على ذلك، فالمعنى إنما إيجادنا لشيء عند تعلق إرادتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون

وَالَّذِينَ هاجَرُوا من مكة إلى المدينة فِي اللَّهِ أي لإظهار دينه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أي أرضا كريمة آمنة وهي المدينة وهم أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم فهاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة وعلى هذا يكون نزول الآية في أصحاب الهجرتين فيكون نزولها في المدينة بين الهجرتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>