(٤٥) أي واسأل مؤمني أهل التوراة والإنجيل هل جاءت عبادة الأوثان في ملة من مللهم بأمرنا فإنهم يخبرونك عن كتب الرسل فإذا سألتهم فكأنك سألت الأنبياء فما جاءت الرسل إلّا بالتوحيد فلم يسألهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه كان موقنا بذلك، وإذا كان التوحيد متفقا عليه بين الرسل وجب أن لا يجعلوه سببا لبغض محمد صلّى الله عليه وسلّم وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا، وهي المعجزات التي كانت مع موسى عليه السلام إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي قومه فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) إليكم فقالوا له: ائت بآية فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) أي استهزءوا بها أول ما رأوها ولم يتأملوا فيها، وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها أي إلّا وهي أعظم من الآية التي كانت قبلها في زعم الناظر وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ أي بأنواع العذاب كالدم، والقمل، والضفادع، والبرد الكبار ملتهبا بالنار، وموت الأبكار لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) أي لكي يرجعوا عن كفرهم إلى الإيمان وَقالُوا لموسى لما رأوا العذاب يا أَيُّهَا السَّاحِرُ أي العالم الماهر- يوقرونه عليه السلام بذلك القول لاستعظامهم على السحر- ادْعُ لَنا رَبَّكَ ليكشف عنّا العذاب بِما عَهِدَ عِنْدَكَ أي بالّذي عهد لك وكان عهده لموسى إن آمنوا كشفنا عنهم العذاب إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) أي لمؤمنون بك وبما جئت به، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ بدعوته عليه السلام إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) عهدهم في كل مرة من مرات العذاب أي فكانوا يتوبون في كل واحدة من العذاب فإذا انكشف عنهم نقضوا العهد بالإيمان،
وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ أي فيما بينهم بعد أن كشف العذاب عنهم مخافة أن يؤمنوا قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ أربعين فرسخا في أربعين فرسخا؟ قال: مجاهد هي الاسكندرية، وَهذِهِ الْأَنْهارُ التي فصلت من النيل ومعظمها أربعة أنهر نهر: الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تنيس تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أي من تحت قصري أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) ذلك، فقد احتج فرعون على فضيلة نفسه بكثرة أمواله وقوة جاهه أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ أي بل أنا خير من موسى الذي هو فقير ضعيف الحال لأنه يتعاطى أموره بنفسه، وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) أي يظهر حجته التي تدل على صدقة فيما يدعي فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أي فهل ألقي على موسى من عند مرسله مقاليد الملك إن كان صادقا في دعواه لأن عادة القوم جرت بأنهم إذا جعلوا واحدا رئيسا ألبسوه سوارا من ذهب وطوقا من ذهب، فطلب فرعون من موسى مثل هذه الحالة. وقرأ حفص أسورة، والباقون أساورة، وقرئ ألقى عليه اسورة وأساورة على البناء للفاعل، وهو الله تعالى أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) أي أو هلا جاء الملائكة ماشين مع موسى فيدلون على صحة نبوته فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ أي فطلب فرعون من قومه الخفة في الإتيان بما كان يأمرهم به، فَأَطاعُوهُ فيه إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) حيث سارعوا إلى طاعة ذلك الجاهل الفاسق، فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ أي فلما أغضبوا نبيّنا موسى، ومالوا إلى إرادة عقابنا بالإفراط في العصيان عاقبناهم،