علم الله تعالى وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) أي وما علينا من جهة ربنا إلّا تبليغ رسالته تبليغا ظاهرا بلغة تعلمونها بالآيات الشاهدة بالصحة، فلا مؤاخذة لنا بعد ذلك من جهة ربنا. قالُوا للرسل لما ضاقت عليهم الحيل، وعيت بهم العلل: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أي تشاء منا بكم بناء على أن الدعوة لا تخلو عن الوعيد بما يكرهونه من إصابة ضر متعلق بأنفسهم وأهليهم وأموالهم، إن لم يؤمنوا، فكانوا ينفرون عنه. وقيل: إنما تطيروا لما بلغهم من أن كل نبي إذا دعا قومه فلم يجيبوه كان عاقبتهم الهلاك لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا عن مقالتكم هذه لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) ، أي وليصيبنكم منا بسبب الرجم عذاب أليم، أي نديم الرجم عليكم إلى الموت قالُوا أي الرسل: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أي سبب شؤمكم معكم لا من قبلنا وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ أي إن وعظتم بما فيه سعادتكم تطيرتم، وتوعدتم بالرجم والتعذيب بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) أي ليس التذكير سببا للشؤم بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان فلذلك أتاكم الشؤم. وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ وهو حبيب النجار، وهو ينحت أصنامهم، وهو ممن آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبينهما ستمائة سنة كما آمن به صلّى الله عليه وسلّم تبع وورقة بن نوفل وغيرهما. وقيل: إنه كان إسكافا وقيل: إنه كان قصارا يَسْعى أي يسرع في المشي حيث سمع بالرسل قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) الذي أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل،
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً فإنهم لو كانوا متهمين بعدم الصدق لسألوكم المال وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) أي عالمون بالطريقة المستقيمة الموصلة إلى الحق، قالوا له: تبرأت منا ومن ديننا، ودخلت في دين عدونا فقال لهم: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي أي خلقني اختراعا وهو مالكي، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) بعد الموت فكيف لا تعبدونه. والعابد على أقسام ثلاثة: عابد يعبد الله لكونه إلها مالكا سواء أنعم بعد ذلك أو لم ينعم، وعابد يعبد الله للنعم الواصلة، إليه وعابد يعبد الله خوفا. فجعل القائل نفسه من القسم الأول وهو الأعلى أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ أي من غير الذي خلقني آلِهَةً أي لا أعبد آلهة من غيره تعالى إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) أي إن يصبني الرحمن بعذاب لا تنفعني تلك الأصنام نفعا ولا تدفع عني ذلك العذاب إِنِّي إِذاً أي إذا اتخذت من دونه آلهة لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) أي خطأ ظاهر، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) . وهذا خطاب من حبيب للرسل، وذلك لما أقبل القوم عليه يريدون قتله أقبل هو على المرسلين وقال: إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي بالإيمان عند الله تعالى. وقيل: الخطاب للكفرة خاطبهم بذلك إظهارا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بالقتل ففيه بيان للتوحيد وذلك لأنه لما قال: أعبد الذي فطرني، ثم قال: آمنت بربكم فهم أنه يقول: ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني، وهو الذي بعينه ربكم بخلاف ما لو قال:
آمنت بربي فيقول: الكافر وأنا آمنت بربي أيضا، وعلى هذا فمعنى الآية آمنت بربكم فاسمعوا ما