وقرأ قالون وابن عامر بسكون الواو على أنها معطوفة على الضمير في «مبعوثون» .
والباقون بفتحها على أنها همزة الاستفهام دخلت على واو العطف، فالمعنى أو تبعث آباؤنا ويقال أو آباؤنا الأولون مبعوثون أيضا، أي أن القوم كانوا يستبعدون الحشر والقيامة ويقولون: من مات وصار ترابا وتفرقت أجزاؤه في العالم كيف يعقل عوده بعينه، وبلغوا هذا الاستبعاد إلى حيث كانوا يستسخرون ممن سلك هذا المذهب الحق. قُلْ لهم تبكيتا: نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) أي نعم تبعثون أنتم وآباؤكم الأولون حال كونهم وهم ذليلين حقيرين، فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ أي لا تستبعدوا البعث، لأنه إنما هي صيحة واحدة فَإِذا هُمْ أي الخلائق قائمون من مراقدهم أحياء يَنْظُرُونَ (١٩) أي يبصرون كما كانوا، وينتظرون ما يفعل بهم وَقالُوا أي الكفار إذا قاموا من القبور: يا وَيْلَنا أي يا هلاكنا احضر، فهذا أوان حضورك. هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) أي هذا اليوم الذي نجازي فيه بأعمالنا
هذا يَوْمُ الْفَصْلِ أي يوم القضاء بينكم وبين المؤمنين الَّذِي كُنْتُمْ في الدنيا بِهِ أي بهذا اليوم تُكَذِّبُونَ (٢١) . والوقف على «ويلنا» تام إن جعل هذا يوم الدين من كلام الملائكة جوابا لهم، فالمعنى: هذا يوم جزاء الأعمام وإن جعل من كلام الكفار، لأنهم كانوا يسمعون في الدنيا أنهم يبعثون ويجزون بأعمالهم، فالوقف التام على يوم الدين لأن هذا يوم الفصل إلى آخره من كلام الملائكة جوابا لهم بطريق التوبيخ. وقيل: هو من كلام بعضهم لبعض فيقول الله للملائكة: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا أي رؤساء الكفار من مقامهم إلى الموقف وَأَزْواجَهُمْ أي أحزابهم ونظراءهم من الكفرة. وقيل: قرناؤهم من الشياطين. وقيل: نساؤهم اللاتي على دينهم. وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من غيره من الأصنام ونحوها، فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) أي سوقوهم إلى طريق جهنم وَقِفُوهُمْ أي احبسوهم في الموقف أو على النار، إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) عن عقائدهم وأعمالهم. وقيل: المراد سألتهم خزنة النار بنحو قولهم:
ألم يأتكم رسل منكم بالبينات. قالوا: بلى.
وقرئ بفتح الهمزة على حذف لام العلة، أي قفوهم لأجل سؤال الله إياهم وتقول لهم خزنة جهنم: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) أي أيّ شيء لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا- كما قاله ابن عباس- وذلك لأن أبا جهل قال يوم بدر: نحن جميع منتصر. فيقال لهم يوم القيامة: ما لكم غير متناصرين كما كنتم تزعمون في الدنيا، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) أي منقادون خاضعون لظهور عجزهم وانسداد باب الحيل عليهم في دفع تلك المضار، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) أي يتخاصمون. يقول الأتباع: غررتمونا، ويقول الرؤساء: لم قبلتم منا.
قالُوا أي الاتباع للرؤساء إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا في الدنيا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) أي عن القوة والقهر وتقصدوننا عن الغلبة حتى تحملونا على الضلال، أو عن الحلف فإن أئمة الكفار كانوا قد حلفوا لهؤلاء المستضعفين أن ما يدعونهم إليه هو الحق فوثقوا بأيمانهم. قالُوا أي الرؤساء للأتباع: