للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تحترزون عنها جهرا، فإنه لا يتفاوت ذلك بالنسبة إلى علم الله تعالى.

قال ابن عباس: كانوا ينالون من رسول الله، فيخبره جبريل فقال بعضهم لبعض: أسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد، فأنزل الله هذه الآية أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ أي ألا يعلم السر والجهر من أوجد جميع الأشياء، فمن خلق شيئا لا بد وأن يكون عالما بمخلوقه وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) ، أي والحال أنه تعالى الفاعل للأشياء اللطيفة، العالم ببواطن الأمور هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا، أي لينة يسهل عليكم السلوك فيها، فَامْشُوا فِي مَناكِبِها أي فاسلكوا في جوانبها، وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ أي كلوا مما خلقه الله رزقا لكم في الأرض، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أي المرجع بعد البعث، فبالغوا في شكر نعمه، أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ف «أن يخسف» بدل اشتمال من «من» ، أي أتأمنون يا أهل مكة من قد أقررتم بأنه في السماء، واعترفتم له بالقدرة على ما يشاء، وهو متعال عن المكان أن يغور بكم الأرض بعد ما جعلها لكم لينة، فَإِذا هِيَ أي الأرض تَمُورُ (١٦) أي تضطرب وتتقلب، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أي بل أأمنتم أيها المكذبون من تزعمون أنه في السماء، وهو منزه عن المكان أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً أي ريحا فيها حجارة، فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) أي فستعلمون عاقبة إنذاري إياكم وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من قبل كفار مكة من كفار الأمم السالفة، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أي إنكاري وتغييري عليكم أليس وجدوا العذاب حقا، أَوَلَمْ يَرَوْا أي أغفلوا ولم ينظروا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها وَيَقْبِضْنَ أي يضممنها إذا ضربن بها جنوبهن حينا فحينا ما يُمْسِكُهُنَّ في الجو عند البسط والقبض إِلَّا الرَّحْمنُ أي الواسع رحمته كل شيء، وهذه الجملة مستأنفة، فالوقف على يقبضن تام كالوقف هنا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) فيكون الله رائيا لنفسه ولجميع الموجودات، أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ أي بل من هذا الحقير الذي هو في زعمكم جند لكم ف «أم» بمعنى بل و «من» اسم استفهام مبتدأ خبره اسم الإشارة. وقرأ طلحة بتخفيف الميم هنا وتشديده، ثم والمعنى: أهذا الذي هو جند لكم أم الذي يرزقكم، يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (٢٠) أي ما الكافرون إلا في غرور من الشيطان، فهو يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم، أعلم أن الكافرين كانوا يمتنعون عن الإيمان ولا يلتفتون إلى دعوة الرسول معتمدين على شيئين: أحدهما: قوتهم بمالهم وجندهم. وثانيهما: اعتقادهم أن الأوثان توصل إليهم جميع الخيرات وتدفع عنهم جميع الآفات وقد أبطل الله عليهم الأول بقوله تعالى: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ الآية.

ورد عليهم الثاني بقوله تعالى: أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ أي بل من الذي يرزقكم من آلهتكم إن أمسك الله الرزق عنكم بل لو كان الرزق موجودا سهل التناول، فوضع الآكل لقمة في فيه، فأمسك الله تعالى عنه قوة الازدراد لعجز أهل السموات والأرض عن أن يسوغوا تلك اللقمة، بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أي بل تمادوا في أباء عن الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>