حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) يجوز أن يكون المراد بالكتاب هاهنا الكتب المتقدمة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، وأن يكون المراد به اللوح المحفوظ، وأن يكون المراد به القرآن، وهذا يدل على غاية تعظيم القرآن. إِنَّا أَنْزَلْناهُ أي القرآن فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قال الأكثرون: إنها ليلة القدر. وقال عكرمة، وطائفة آخرون: إنها ليلة البراءة، وهي ليلة النصف من شعبان، ونقل محمد بن جرير الطبري عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لثنتي عشرة مضت منه، والإنجيل لثمان عشرة مضت منه، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان، والليلة المباركة هي ليلة القدر، وقد قيل: إنه تعالى أنزل كلية القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة مباركة، ثم أنزل في كل وقت ما يحتاج إليه المكلف، وقيل: يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبريل، وكذلك الزلازل، والصواعق، والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل صاحب سماء الدنيا، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) أي مخوفين بالقرآن فِيها أي ليلة مباركة يُفْرَقُ أي يظهر للملائكة الموكلين بالتصرف في العالم كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أي مبرم لا يحصل فيه تغيير ولا نقص، بل لا بد من وقوعه في تلك السنة، وقال الرازي: معنى الحكيم ذو حكمة، وذلك لأن تخصيص الله تعالى كل أحد بحالة معينة من العمر، والرزق، والأجل، والسعادة، والشقاوة يدل على حكمة بالغة لله تعالى فلما كانت تلك الأفعال والأقضية دالة على حكمة فاعلها وصفت بكونها حكيمة.
وقرئ «يفرق» بالتشديد، وقرئ «يفرق» على البناء للفاعل، ونصب «كل» والفارق هو الله تعالى، وقرأ زيد بن علي «نفرق» بالنون أَمْراً مِنْ عِنْدِنا حال من فاعل «أنزلنا» أو من مفعوله. أي في حال كون القرآن أمرا من عندنا بما يجب أن يفعل، أو من أمر حكيم، أو مفعول له