للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الصلاة والسلام بالصدق الثابت الذي لا محيد عنه أصلا، وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ أي أيّ حق كان كارِهُونَ (٧٠) من حيث تمسكوا بالتقليد، ومن حيث علموا أنهم لو أقروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم لزالت مناصبهم واختلت رئاساتهم، فلذلك كرهوه وكان منهم من ترك الإيمان استنكافا من توبيخ قومه أو لعدم فكرته لا لكراهة الحق.

وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ أي ولو كان الحق الذي كرهوه موافقا لأهوائهم الباطلة لخرجت السموات والأرض ومن فيهن عن الصلاح والانتظام بالكلية، بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ أي بل جئناهم بالقرآن الذي فيه شرفهم.

وقرأ أبو عمرو في رواية «آتيناهم» بمد الهمزة، أي أعطيناهم فخرهم، فالباء مزيدة في «بذكرهم» ، وقرأ ابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمرو وأبو عمرو أيضا «أتيتهم» بتاء المتكلم وحده وقرأ الجحدري وأبو رجاء آتيتهم بالتاء على خطاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقرأ عيسى «بذكراهم» بألف التأنيث أي بوعظهم. وقرأ أبو قتادة «نذكرهم» بنون المتكلم مضارع «ذكر» مشدد الكاف، وهي جملة حالية. فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ أي فخرهم وشرفهم مُعْرِضُونَ (٧١) ، وكان يجب عليهم أن يقبلوا عليه أكمل إقبال أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً وقرأ حمزة والكسائي بفتح الراء وبالألف والباقون بسكونها فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ، وقرأ ابن عامر بسكون الراء. والباقون بفتحها وبالألف. أي أم تسألهم على هدايتهم قليلا من عطاء الخلق، فالكثير من عطاء ربك خير فلا يجوز أن ينفروا عن قبول قوله صلّى الله عليه وسلّم لأجل هذه التهمة البعيدة، وهم غير معذورين ألبتة، وهم محجوجون من جميع الوجوه، فهذا توبيخ بوجه آخر كأنه قيل: أم يزعمون أنك تسألهم على أداء الرسالة جعلا فلأجل ذلك لا يؤمنون بك ولا تسألهم ذلك، فإن ما رزقك الله تعالى في الدنيا والآخرة خير لك من ذلك وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) أي أفضل المعطين في الدنيا والآخرة خير لك من ذلك وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) تشهد العقول السليمة باستقامته وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي بالبعث والثواب والعقاب عَنِ الصِّراطِ أي عن جنس الصراط لَناكِبُونَ (٧٤) أي منحرفون فلا يطلق على ما ذهبوا إليه اسم الصراط لغاية ضلالهم وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) أي ولو كشفنا ما أصابهم من جمع وسائر مضار الدنيا لتمادوا في ضلالهم وهم متحيّرون عن الهدى لا يبصرون الحق، وقد كان الأمر كذلك.

روي أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة، منع الميرة عن أهل مكة فأخذهم الله تعالى بالسنين سبع سنين حتى أكلوا الجلود والجيف والعلهز «١» ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين، ثم قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فادع الله يكشف عنا هذا القحط، فدعا، فكشف عنهم، فأنزل الله هذه الآية وذلك بسبب


(١) العلهز: بالكسر، طعام من الدم والوبر، كان يتخذ في المجاعة [القاموس المحيط، مادة: العلهز] .

<<  <  ج: ص:  >  >>