والهواء. وهذا إشارة إلى غاية صفائهن جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) أي يفعل بهم ذلك كله جزاء بأعمالهم لا يَسْمَعُونَ فِيها، أي الجنة لَغْواً أي شيئا لا ينفع، وَلا تَأْثِيماً (٢٥) أي شيئا منسوبا إلى الإثم كالشتم، إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً (٢٦) أي لكن يقولون ويسمعون قولا سلاما سلاما، أي يسلم بعضهم على بعض وتسلم الملائكة عليهم، ويرسل الرب السلام إليهم. وقرئ «سلام سلام» على الحكاية. وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ أي يتنعمون في شجر نبق مَخْضُودٍ (٢٨) أي غير ذي شوك، وموقر من الحمل حتى لا يبين ساقه، والله تعالى جعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمرا على اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر- كما في الحديث- وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) أي وفي موز متراكب أوراقه وثمره لا يرى له ساق من كثرة ثمره الذي أحلى من العسل، وليس ثمر الجنة في غلاف كثمر الدنيا مثل الباقلا والجوز ونحوهما، بل كله مأكول ومشروب ومشموم منظور إليه.
واعلم أن الأشجار يجمعها نوعان أوراق صغار، وأوراق كبار، فالسدر في غاية الصغر وشجر الموز في غاية الكبر، فوقعت الإشارة إلى الطرفين جامعة لجميع الأشجار نظرا إلى أوراقها، كما ذكر الله النخل والرمان عند ذكر الثمار، لأن بينهما غاية الخلاف فوقعت الإشارة إليهما جامعة لجميع الأشجار نظرا إلى ثمارها، وكذلك النخيل والأعناب فإن النخل من أعظم الأشجار المثمرة، والكرم من أصغر الأشجار المثمرة وبينهما أشجار فوقعت الإشارة إليهما جامعة لسائر الأشجار، فإن البليغ يذكر طرفي أمرين يتضمن ذكرهما الإشارة إلى جميع ما بينهما، كما يقال: فلان ملك الشرق والغرب ويفهم منه أنه ملك ما بينهما، وكما يقال فلان أرضى الصغير والكبير، ويفهم منه أنه أرضى كل أحد. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) أي منبسط لا تزيله الشمس أبدا، كظل ما بين الفجر وطلوع الشمس،
وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) أي مصبوب من ساق العرش سائل يجري على الأرض في غير أخدود، ومثل الله حال السابقين بأقصى ما يتصور لأهل المدن، وحال أصحاب اليمين بأكمل ما يتصور لأهل البوادي إعلاما بالتفاوت بين الحالين وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) بحسب الأنواع والأجناس لا مَقْطُوعَةٍ في وقت من الأوقات، وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) عن متناوليها بوجه من الوجوه. وقرئ و «فاكهة» بالرفع أي وهناك فاكهة إلخ.
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) على الأسرّة كما قاله علي، أو نساء مرفوعات على الأرائك ومرفوعات بالفضل والجمال، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) .
روى النحاس أن أم سلمة سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله تعالى إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فقال: هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطا، عمشا، رمصا، جعلهن الله تعالى بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء.
وعن المسيب بن شريك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في قوله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً: «هن عجائز الدنيا أنشأهن الله تعالى خلقا جديدا كلما أتاهن أزواجهن