سنان الجهني في بعض الغزوات، فأسمع أجير عمر عبد الله بن أبي المكروه، واشتد عليه لسانه، فغضب عبد الله وعنده رهط من قومه فقال: أما والله لئن رجعنا من غزوتنا هذه إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وأراد عبد الله بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله والمؤمنين، ثم أقبل على قومه فقال: لو أمسكتم النفقة عن هؤلاء المهاجرين لأوشكوا أن يتحولوا عن دياركم وبلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد، فنزلت هذه الآية، وسبب غزوة بني المصطلق أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلغه أن بني المصطلق- وهم حي من هذيل- يجتمعون لحربه، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار وهو أبو جويرية زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له: المر يسيع من ناحية قديد إلى الساحل، فوقع القتال، فهزم الله بني المصطلق وكان سبيهم سبعمائة، فلما أخذ النبي جويرية من السبي لنفسه أعتقها وتزوجها فقال المسلمون: صار بنو المصطلق أصهار رسول الله فأطلقوا ما بأيديهم من السبي إكراما لرسول الله، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها:
وما أعظم امرأة كانت أعظم بركة على قومها من جويرية ولقد أعتق بتزويج رسول الله لها مائة أهل بيت من بني المصطلق اه. وإسناد القول المذكور إلى المنافقين لرضاهم به فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ أي القوة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فعزة الله قهره لأعدائه، وعزة رسوله إظهار دينه على الأديان كلها، وعزة المؤمنين نصر الله إياهم على أعدائهم وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨) أن الله معز أولياءه ومذل أعداءه، ولو علموه ما قالوا مقالتهم.
روي أن عبد الله بن أبي لما أراد أن يدخل المدينة اعترضه ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان مخلصا وقال: لئن لم تقر لله ولرسوله بالعز لأضربن عنقك، فلما رأى منه الجد قال: أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين،
فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لابنه:«جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا»
. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أي لا يشغلكم الاعتناء بمصالحها والتمتع بها عن فرائض الله تعالى نحو الصلاة والزكاة والحج وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أي ومن ألهاه ماله وولده عن طاعة الله تعالى فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) أي في تجارتهم حيث باعوا الشريف الباقي بالخسيس الفاني، وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ أي بعض ما أعطيناكم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ أي مقدمات الموت فَيَقُولَ عند تيقنه بحلول الموت: رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أي هلا أمهلتني إلى أمد قصير بقدر ما استدرك فيه ما فاتني فَأَصَّدَّقَ من مالي بتشديد الصاد والدال.
وقرأ أبي «فأتصدق» على الأصل. وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) أي أكن من الحاجين.
عن ابن عباس قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل إلا سأل الله الرجعة عند الموت. وقرأ أبو عمرو «وأكون» بالنصب عطفا على لفظ جواب التمني. والباقون «وأكن» بالجزم عطفا على محله. وقرئ «وأكون» بالرفع «وأنا أكون» .
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً أي عن الموت إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١) فمجاز لكم عليه. وقرأ شعبة بالياء التحتية.