الإهلاك، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) فهم مقرون بأن خالقهن وما فيهن هو الله ذو العزة في سلطانه، والعلم في تدبيره، ومع هذا الإقرار يعبدون معه تعالى غيره وينكرون قدرته على البعث. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً أي فراشا ثابتة ولو شاء لجعلها متحركة، فلا يمكن الانتفاع بها في الزراعة والأبنية.
وقرأ الكوفيون مهدا والباقون مهادا وهذا الموصول ابتداء الكلام من الله تعالى دالا على نفسه بذكر مصنوعاته أي هو الذي إلخ.
وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها أي الأرض سُبُلًا تسلكونها في أسفاركم لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) أي لكي تهتدوا بسلوكها إلى مقاصدكم، ولتهتدوا بالتفكير فيها إلى التوحيد والدين الحق
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم، لا كما أنزل على قوم نوح حتى أغرقهم فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً أي فأحيينا بذلك الماء مكانا خاليا من النبات.
كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) أي مثل إخراج النبات من الأرض تخرجون من قبوركم أحياء فهذا الدليل كما يدل على قدرته تعالى وحكمته، فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة. وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ أي أصناف المخلوقات كُلَّها وقيل كل ما سوى الله تعالى فهو زوج كالفوق والتحت، واليمين واليسار، والقدّام والخلف، والماضي والمستقبل، والذوات والصفات، والصيف والشتاء، والربيع والخريف، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ أي الإبل ما تَرْكَبُونَ (١٢) أي ما تركبونه لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ أي لتستعلوا على ظهور ما تركبونه من الفلك والأنعام، ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ أي ركبتم عَلَيْهِ بأن تعرفوا أن الله تعالى خلق البحر، والرياح، والسفن، والإبل، وتعرفوا أن ذلك نعمة عظيمة من الله تعالى، وتشتغلوا بالشكر للنعم التي لا نهاية لها، وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) أي ليس لنا من القوة أن نضبط هذه الدابة والفلك، وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ (١٤) أي راجعون من الدنيا إلى دار البقاء كما
يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان إذا وضع رجله في الركاب قال:«بسم الله» فإذا استوى على الدابة قال: «الحمد لله على كل حال سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا إلى قوله تعالى: لَمُنْقَلِبُونَ» .
وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما رأى رجلا ركب دابة فقال: سبحان الذي سخر لنا هذا، فقال له: ما بهذا أمرت. أمرت أن تقول: الحمد لله الذي هدانا للإسلام، الحمد لله الذي منّ علينا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، ثم تقول: سبحان الذي سخر لنا هذا.
وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه كان إذا سافر وركب راحلته كبر ثلاثا، ثم يقول:«سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا» ثم قال: «اللهم إني أسألك في سفري البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوّن علينا السفر وأطوعنا بعد الأرض اللهم، أنت الصاحب في السفر، والخليفة على