وأجمعوا على قتل الرسل وقومهم، فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين ولما قتلوه غضب الله له فجعل لهم العقوبة فأمر جبريل فصاح بهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم فذلك قوله تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ أي قوم ذلك الرجل الذي هو حبيب وهم أصحاب القرية الذين رجموه مِنْ بَعْدِهِ أي من بعد قتله، مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لإهلاكهم وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) أي إنا لم ننزل ملائكة لإهلاك الكفار في الأزمنة الماضية، بل نهلكهم بغير الملائكة إما بالحاصب أو بالصيحة، أو بالخسف، أو بالإغراق وإنما جعلنا إنزال الجند من خصائصك في الانتصار من قومك تعظيما لشأنك، إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أي ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة من جبريل، أخذ جبريل الباب فصاح فيهم صيحة واحدة وذلك لحقارة أمرهم عندنا. فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) أي ميتون لا يتحركون.
يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ، وهذا ما من كلام الملائكة، أو من كلام المؤمنين، أي يا شدة التحزن على العباد تعالى هذا وقتك فاحضري، وهو وقت الاستهزاء بالرسل، فالمستهزئون بالناصحين أحقاء بأن يتحزنوا ويتحزن عليهم المتحزنون. ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ أي بذلك الرسول يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) وهذا سبب الندامة
أَلَمْ يَرَوْا أي ألم يعلم أهل مكة الذي أنكروا رسالتك كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أي الأمم الماضية، أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) أي أنهم أهلكوا إهلاكا لا رجوع لهم إلى من في الدنيا يقال: إن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم، والوجه الأول أشهر نقلا، والثاني أظهر عقلا. وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) .
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة «لمّا» بتشديد الميم إلّا أي ما كلهم إلّا مجموعون عندنا، محضرون للحساب. والجزاء، والباقون بالتخفيف، والمعنى عند الكوفيين كما تقدم، وعند البصريين وإن كلهم لمجموعون عندنا محضرون للحساب وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها، أي وعلامة عظيمة لهم على قدرتنا على البعث، وعلى وحدانيتنا الأرض الميتة أحييناها بأنواع النبات فيها، فالذي أحيا الأرض إحياء كاملا، منبتا للزرع يحيي الموتى إحياء كاملا وَأَخْرَجْنا مِنْها أي الأرض حَبًّا أي جنس الحب، كالحنطة والشعير والأرز، فَمِنْهُ أي من ذلك الحب يَأْكُلُونَ (٣٣) فهو أكثر ما يعاش به وَجَعَلْنا فِيها، أي الأرض جَنَّاتٍ أي بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ أي من أنواع النخل والعنب وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) ، أي فتحنا في الأرض بعضا من العيون لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ أي من ثمر، ما ذكر من الجنات، أو من ثمر الله لأنه الذي خلقه.
وقرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ وهو ما يتخذ من ذلك الثمر