الدوام. وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) أي لا يملّون عن عبادة الله تعالى ولا يفترون وموضع السجود عند قوله تعالى: إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. وهو قول ابن مسعود والحسن حكاه الرافعي عن أبي حنيفة، وأحمد لذكر السجود قبيله، وعند قوله تعالى: لا يَسْأَمُونَ وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب، وقتادة وحكاه الزمخشري عن أبي حنيفة، لأن الكلام إنما يتم عنده، وعند الشافعي عند قوله تعالى: إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ لكن قال الشربيني والصحيح عند الشافعي عند قوله تعالى: لا يَسْأَمُونَ، وَمِنْ آياتِهِ الدالة على قدرته تعالى ووحدانيته. أَنَّكَ أيها الإنسان تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً أي منكسرة ميتة فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ أي تحركت بالنبات وَرَبَتْ أي انفتحت، ثم تصدعت عن النبات.
وقرئ «ربأت» أي ارتفعت، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى أي إن القادر على احياء الأرض بعد موتها هو القادر على إحياء هذه الأجساد بعد موتها إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) أي أنه تعالى قادر على الممكنات، فوجب أن يكون قادرا على إعادة التركيب والحياة والقدرة والعقل إلى تلك الأجزاء المتفرقة، إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا أي يميلون عن الحق في أدلتنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا في وقت من الأوقات. وقرأ حمزة بفتح الياء والحاء. أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ أي الذين يميلون عن الاستقامة في آياتنا بالطعن والتأويل الباطل، فيلقون في النار خير أم الذين يؤمنون بآيتنا فيأتون آمنين من العذاب يوم القيامة؟ اعْمَلُوا يا أهل مكة ما شِئْتُمْ من الأعمال المؤدية إلى الإلقاء في النار والإتيان آمنا، إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) فيجازيكم بحسب أعمالكم- وفي ذلك تهديد-
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ أي بالقرآن لَمَّا جاءَهُمْ لهم في الآخرة نار جهنم أو يجازون بكفرهم، وَإِنَّهُ أي القرآن لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) أي غالب عديم النظير، لأنه بقوة حجته غلب على كل ما سواه، ولأن الأولين والآخرين عجزوا عن معارضته لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ أي لا تكذبه الكتب المتقدمة عليه كالتوراة والإنجيل والزبور، وسائر الكتب. ولا يجيء كتاب من بعده يكذبه، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ في أمره حَمِيدٍ (٤٢) في أفعاله ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ، أي ما يقول لك كفار قومك إلا مثل ما قد قال للرسل كفار قومهم من الكلمات المؤذية والمطاعن في الكتب المنزلة، إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للمحقين، وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) للمبطلين، ففوض هذا الأمر إلى الله تعالى، واشتغل بما أمرت به- وهو التبليغ والدعوة إلى الله تعالى- وَلَوْ جَعَلْناهُ أي هذا الذكر قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا أي كفار مكة: لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ أي لولا بيّنت آياته بلسان نفهمه؟ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أي أكلام أعجمي ورسول أو مرسل إليه عربي. والمعنى: أنا لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا: كيف أرسلت الكلام العجمي إلى القوم العرب، ويصح لهم أن يقولوا: قلوبنا في أكنة تدعونا إليه، أي من هذا الكلام. وفي آذاننا وقر منه لا نفهمه، ولا نحيط