للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ فالحكمة هي العلم النافع وفعل الصواب. فقيل في حد الحكمة: هي التخلق بأخلاق الله بقدر الطاقة البشرية

كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «تخلّقوا بأخلاق الله تعالى»

. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ أي إصابة القول والفعل والرأي فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً أي أعطي خير الدارين وَما يَذَّكَّرُ أي ما يتفكر في الحكمة إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) أي إلا أصحاب العقول السليمة من الركون إلى متابعة الهوى. وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أي أيّ نفقة كانت في حق أو باطل، في سر أو علانية قليلة أو كثيرة. أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ أي أيّ نذر كان في طاعة أو معصية، بشرط أو بغير شرط، متعلق بالمال أو بالأفعال كالصيام فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ أي ما أنفقتموه فيجاز بكم عليه وَما لِلظَّالِمِينَ بالإنفاق والنذر في المعاصي أو بمنع الزكاة وعدم الوفاء بالنذور، أو بالإنفاق بالخبيث أو بالرياء والمن والأذى مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) أي أعوان ينصرونهم من عقاب الله

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها بعد أن لم يكن رياء وسمعة وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أي أفضل من إيذائها وإيتائها الأغنياء.

روي أنهم سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هل صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت هذه الآية.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا. وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ.

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «نكفر» بالنون ورفع الراء. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم أي و «نكفر» عنكم شيئا من ذنوبكم بقدر صدقاتكم. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم «يكفر» بالياء والرفع. والمعنى يكفر الله أو يكفر الإخفاء. وقرئ قراءة شاذة «تكفر» بالتاء وبالرفع والجزم والفاعل راجع للصدقات. وقرأ الحسن بالتاء والنصب بإضمار أن. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ من الصدقة في السر والعلانية خَبِيرٌ (٢٧١) لا يخفى عليه شيء منه لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ

أي ليس عليك هدي من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لأجل أن يدخلوا في الإسلام، فتصدق عليهم لوجه الله ولا توقف ذلك على إسلامهم وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته إلى الدخول في الإسلام.

روي أن نبيلة أم أسماء بنت أبي بكر وجدتها وهما مشركتان جاءتا أسماء تسألانها شيئا.

فقالت: لا أعطيكما حتى أستأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنكما لستما على ديني. فسألته عن الصدقة على الكفار فقالت: هل يجوز لنا يا رسول الله أن نتصدق على ذوي قرابتنا من غير أهل ديننا؟ فأنزل الله هذه الآية. فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تتصدق عليهما، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ أي وكل نفقة تنفقونها من نفقات الخير ولو على كافر فإنما هو يحصل لأنفسكم ثوابه فلا يضركم كفرهم وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ أي ولستم في صدقتكم على أقاربكم من

<<  <  ج: ص:  >  >>