أخس الأشياء؟ وَما أَرْسَلْناكَ يا أشرف الخلق إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ أي عامة لجميع الناس تكف الناس عن الكفر، بَشِيراً بالجنة لمن آمن بالله، وَنَذِيراً من النار لمن كفر به، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) عموم رسالته وكونه بشيرا، وكونه نذيرا لغفلتهم لا لخفاء ذلك، وَيَقُولُونَ بطريق الاستهزاء: مَتى هذَا الْوَعْدُ الذي تعدنا أن يجمع بيننا ثم يقضي بيننا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) ؟ مخاطبين لرسول الله والمؤمنين به. قُلْ لهم يا أكرم الرسل: لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ أي وعد يوم لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً إن طلبتم التأخير عنه وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) أي إن طلبتم الاستعجال والإضافة في ميعاد يوم للتبيين.
وقرئ «ميعاد يوم» برفع الاسمين مع التنوين على البدل. وقرئ برفع «ميعاد» ، ونصب «يوم» مع التنوين فيهما أي أعني يوما، وذلك يفيد التعظيم والتهويل.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أبو جهل بن هشام وأصحابه: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ الذي يقرؤه علينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي ولا بالذي قبل القرآن من التوراة والإنجيل، والزبور، وسائر الكتب الدالة على البعث. وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ أي ولو ترى إذ المنكرون للبعث محبوسون في موقف المحاسبة، راجعا بعضهم القول إلى بعض لرأيت أمرا عجيبا، ثم فسر قوله تعالى: يَرْجِعُ إلخ بقوله تعالى: يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أي قهروا وهم السفلة، لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا أي تعظموا عن الإيمان وهم القادة: لَوْلا أَنْتُمْ مضلون إيانا وصادون إيانا عن الإيمان لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) باتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لرؤوسائهم لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا وهم الأتباع: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام؟ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) . أي بل أنتم الصادون بأنفسكم بسبب كونكم راسخين في الإجرام. وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إبطالا لإنكارهم الصد: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي بل صدنا مكركم بنا بالليل والنهار إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ قبل إتيان الرسل، وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً أي أعدالا، وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ أي أخفى كل من الفريقين الندامة عن الآخر مخافة التعبير. ويقال: أظهر القادة والسفلة الندامة على ترك الإيمان بالله لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ أي حين رأوه، وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا الأتباع والمتبوعين جميعا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) ؟ أي لا يجزون إلا بما كانوا يعملونه في الدنيا وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها أي أغنياؤها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) أي جاحدون.
وَقالُوا للرسل: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً منكم بسبب لزومنا لديننا، وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) في الآخرة بديننا هذا، كأنهم قالوا: حالنا عاجلا خير من حالكم، ولا نعذب آجلا.
قالوا ذلك إنكارا منهم للعذاب بالكلية، أو اعتقادا لحسن حالهم أيضا، قياسا على حالهم في الدنيا. قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ أن يبسط له وَيَقْدِرُ أي يقتر على من يشاء، فسعة