وقرأ ابن عامر «تكن» بالتأنيث ورفع «آية» على أنه اسمها، ولهم خبرها وأن يعلمه بدل من اسمها، أو على أنه فاعل لها ولهم حال «وأن يعلمه» بدل من الفاعل، ولا يجوز أن يكون «آية» اسمها «وأن يعلمه» خبرها، لأنه يلزم عليه جعل الاسم نكرة والخبر معرفة. والباقون «يكن» بالتذكير ونصب آية على أنه خبرها «وأن يعلمه» اسمها وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) أي ولو نزلنا القرآن كما هو على رجل أعجمي فقرأه على أهل مكة قراءة صحيحة خارقة للعادة ما كانوا مؤمنين به مع أن الأعجمي لا يتهم باكتسابه أصلا لفقد الفصاحة فيه ولا باختراعه لكونه ليس بلغته لفرط عنادهم، وشدة شكيمتهم في المكابرة كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) ، أي مثل ذلك الإدخال أدخلنا القرآن في قلوب كفار مكة ففهموا معانيه، وعرفوا فصاحته من حيث النظم المعجز زمن حيث الإخبار عن الغيب وقد انضم إليه اتفاق علماء أهل الكتب المنزّلة قبله على البشارة بإنزاله وبعثة من أنزل عليه بأوصافه وكيفما فعل بهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الإنكار
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) الملجئ للإيمان به، فيؤمنون حين لا ينفعهم الإيمان فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) بإتيان العذاب فَيَقُولُوا تأسفا على ما فات من الإيمان هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) وهو استفهام طمع في المحال وهو إمهالهم بعد مجيء العذاب، وهم في الآخرة يعلمون أن لا ملجأ لهم لكنهم يذكرون ذلك استرواحا أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أي أيكون حالهم كما ذكر من الاستنظار عند نزول العذاب الأليم، فيستعجلون بعذابنا في الدنيا بقولهم: أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ونحو ذلك. أَفَرَأَيْتَ أي أخبرني أيها المخاطب إِنْ مَتَّعْناهُمْ في الدنيا بطول الأعمار وطيب المعاش سِنِينَ (٢٠٥) متطاولة ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) من العذاب، ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) أي أيّ شيء أفادهم كونهم متمتعين ذلك التمتيع المديد من دفع العذاب.
وقرئ «يتمتعون» بسكون الميم وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى المهلكة إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) أي رسل قد أنذروا أهلها إلزاما للحجة ذِكْرى أي لأجل تذكيرهم العواقب، وهو منصوب على أنه مفعول لأجله أو مفعول مطلق منصوب ب «منذرون» لأن التذكرة في معنى الإنذار، أو منصوب بفعل مقدر هو صفة ل «منذرون» أي إلا لها منذرون يذكرونهم ذكرى.
ويجوز أن يكون «ذكرى» مفعولا له علة ل «أهلكنا» . والمعنى: وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم عبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم. وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) فنهلك قوما غير ظالمين وقبل الإنذار وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) . وهذا رد لقول الكفار لم لا يجوز أن يكون هذا القرآن من إلقاء الجن والشياطين إلى محمد على لسانه كسائر ما ينزل على الكهنة من أخبار السماء.