أصابكم من الأحوال المكروهة وقع بما كسبت أيديكم، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) من الذنوب فإن الذنوب قسمان: قسم يعجل العقوبة عليه في الدنيا بالمصائب، وقسم يعفو عنه وهو أكثر.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي بفائتين ما قضي عليكم من المصائب، وإن هربتم من أقطارها كل مهرب، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يحميكم منها وَلا نَصِيرٍ (٣١) يدفعها عنكم، وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ أي السفن الجارية فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) أي كالجبال.
وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء وصلا، وابن كثير وهشام بها وقفا. والباقون بحذفها للتخفيف.
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ التي تجري بها السفن. وقرأ نافع وحده «الرياح» على الجمع. فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ أي يصرن ثوابت على ظهر البحر، أي غير جاريات، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) فإن كان المؤمن في البلاء كان من الصابرين، وإن كان في النعماء كان من الشاكرين، فلا يكون من الغافلين عن دلائل معرفة الله ألبتة، أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا. والمعنى: أنه تعالى إن شاء ابتلى المسافرين في البحر بإحدى بليتين إما أن يسكن الريح فتقف الجواري على متن البحر، وإما أن يرسل الرياح عاصفة فيها فيهلكن بسبب الإغراق بمعصيتهم وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) أي إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم. وقرأ الأخفش «ويعفو» بالواو. وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار «أن» بعد الواو، وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) .
وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف. والباقون بالنصب عطف على علة مقدرة تقديره: لينتقم منهم وليعلم إلخ. وقرئ بالجزم عطفا على «يعف» فيكون المعنى: وإن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور إهلاك قوم، وإنجاء قوم، وتحذير قوم، وعلى هذا فلا يوقف على كثير بخلاف القراءتين الأوليين، فالوقف عليه تام، فمعنى الآية: وليعلم الّذين ينازعون في آياتنا على وجه التكذيب أن لا مخلص لهم إذا وقفت السفن، وإذا عصفت الرياح فيصير ذلك سببا لاعترافهم بأن الإله النافع الضار ليس إلّا الله، فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي فما أعطيتم مما تتنافسون فيه من أثاث فهو ما تتمتعون به مدة حياتكم وَما عِنْدَ اللَّهِ من الثواب خَيْرٌ ما عندكم وَأَبْقى زمانا لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) .
وعن علي رضي الله: أنه تصدّق أبو بكر رضي الله عنه بماله كله، فلامه جمع من المسلمين فنزلت هذه الآية.
وقرأ حمزة والكسائي «كبير الإثم» بالإفراد والموصول معطوف على الذين آمنوا، وكذا ما بعده، وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) . «وإذا» منصوبة ب «يغفرون» ، و «يغفرون» خبر ل «هم» ، والجملة بأسرها عطف على «يجتنبون» ، والتقدير: والذين يجتنبون وهم يغفرون عطف اسمية على فعلية. وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ أي أجابوا لربهم بالتوحيد والطاعة وَأَقامُوا الصَّلاةَ أي أدوا