فإنهم لا يلاقون للطف أجسامهم مِنْ صَلْصالٍ أي من طين يتصلصل مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) أي من طين منتن رطب فَإِذا سَوَّيْتُهُ أي أتممت خلقه باليدين والرجلين والعينين وغير ذلك وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي أي جعلت الروح فيه وليس ثمّ نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل لإفاضة ما يحيا آدم به من الروح التي هي من أمره تعالى فَقَعُوا أي خروا لَهُ أي لذلك البشر ساجِدِينَ (٢٩) بوضع الجبهة على الأرض لا بالانحناء تعظيما له، فالسجود كان لآدم في الحقيقة. أو المعنى اسجدوا لله تعالى بوضع الجبهة على الأرض، وآدم عليه السلام بمنزلة القبلة لذلك السجود حيث ظهر فيه تعاجيب آثار قدرته تعالى وحكمته فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) أي فخلقه فسواء فجعل فيه الحياة فسجد الملائكة. فمعنى «كلهم» أي لم يشذ منهم أحد، ومعنى «أجمعون» أي لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد، أي فالكل سجدوا دفعة واحدة
إِلَّا إِبْلِيسَ رئيسهم أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ أي الله تعالى يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) أي أيّ سبب لك في أن لا تكون مع الساجدين لآدم قالَ أي إبليس: لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ أي لا يصح مني أن أسجد لِبَشَرٍ أي جسم كثيف لأنه مخلوق من أشرف العناصر وأعلاها وأنا روحاني لطيف خَلَقْتَهُ أي البشر مِنْ صَلْصالٍ ناشئ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ الله تعالى: فَاخْرُجْ مِنْها أي من زمرة الملائكة المعززين ويقال: من رحمتي والفاء في جواب شرط مقدر أي فحيث عصيت وتكبرت فاخرج منها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) أي مطرود عن الرحمة وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ أي الإبعاد عن الرحمة إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) أي الجزاء أي إنك مدعو باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الحساب من غير أن يعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذب عذابا بنسى اللعن معه فيصير اللعن حينئذ كالزائل بسبب أن شدة العذاب تذهل عنه قالَ إبليس: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي أي أخرني ولا تمتني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) أي آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم وأراد الملعون بهذا السؤال أن لا يذوق الموت لاستحالته بعد يوم البعث وأن يجد فسحة في إغوائهم قالَ الله تعالى: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) أي المؤجلين إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) وهو وقت النفخة الأولى التي علم أنه يموت كل الخلائق فيه قالَ إبليس: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أي أقسم بإغوائك إياي لأزينن لذرية آدم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) .
قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بكسر اللام في كل القرآن أي الذين أخلصوا دينهم عن كل شائب يناقض التوحيد. وقرأ الباقون بفتح اللام أي الذين أخلصهم الله تعالى بالتوفيق والعصمة وعصمهم من كيد إبليس
قال تعالى: قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) أي هذا الإخلاص طريق يؤدي إلى كرامتي وثوابي من غير اعوجاج. وقرأ يعقوب «علي» بالرفع والتنوين على أنه صفة «لصراط» أي هذا الإخلاص طريق رفيع لا عوج فيه إِنَّ عِبادِي سواء كانوا