وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ الذين كانوا في الأرض اسْجُدُوا لِآدَمَ بوضع الجبهة عليه، إما هو المسجود له أو هو قبلة للسجود والمسجود له هو الله تعالى فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ وكان داخلا تحت الأمر بالسجود لأنه مندرج تحت زمرتهم قالَ عند ما وبخه الله تعالى: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) أي من طين. قالَ أي إبليس بعد الاستنظار: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أي أخبرني عن هذا الذي فضلته علي بأمرك لي بالسجود له لم فضلته علي وأنا خير منه من حيث أنا مخلوق من العنصر العالي لَئِنْ أَخَّرْتَنِ حيا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ أي لأستأصلنهم بالإغواء أو لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها إِلَّا قَلِيلًا (٦٢) لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم. قرأ ابن كثير «أخرتن» بإثبات
ياء المتكلم في الوصل والوقف. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالحذف. وقرأ نافع وأبو عمرو بإثباته في الوصل دون الوقف. قالَ تعالى له: اذْهَبْ أي امض لشأنك الذي اخترته. واعلم فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أي من ذرية آدم في دينك فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ أي جزاؤك ومن تبعك جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) أي مكملا فكل معصية توجد يحصل لإبليس مثل وزر ذلك العامل لأنه هو الأصل فيها فلذلك يخاطب بالوعيد. وَاسْتَفْزِزْ أي استزل مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ استزلاله بِصَوْتِكَ أي بدعائك إلى معصية الله تعالى وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أي واجمع عليهم مصحوبا بجنودك الركاب والمشاة، فروى أبو الضحى عن ابن عباس أنه قال: كل راكب أو ماش في معصية الله تعالى فهو من خيل إبليس وجنوده.
وقرأ حفص عن عاصم «ورجلك» بكسر الجيم. وقرأ غيره بالضم أو بالسكون.
وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ أي في كل تصرف قبيح فيها وَالْأَوْلادِ أي في الأفعال القبيحة والحرف الذميمة والأديان الزائغة والأسماء المنكرة وَعِدْهُمْ أي بالأماني الباطلة وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (٦٤) أي ما يعدهم من الأماني الكاذبة إلا لأجل الغرور. وهذه الجملة اعتراض واقع بين الجمل التي خاطب الله بها الشيطان. إِنَّ عِبادِي المخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي غلبة وقدرة على إغوائهم وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥) أي حفيظا. فإن الشيطان وإن كان قادرا على الوسوسة فإن الله أرحم بعباده فهو يدفع عنهم كيد الشيطان رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ أي الذي يسوق لمنافعكم السفن على وجه البحر لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي رزقه تعالى بالتجارة وغيرها إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٦٦) حيث سهل عليكم ما يعسر من أسباب ما تحتاجون إليه وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ أي خوف الغرق فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ أي ذهب عن خواطركم ما كنتم تعبدون من دون الله إِلَّا إِيَّاهُ تعالى فتسألون من الله تعالى النجاة لأنكم تعلمون أنه لا ينجيكم سواه. فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق وأخرجكم من البحر إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن الشكر والتوحيد ورجعتم إلى الإشراك، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (٦٧) أي منكرا لنعم الله. أَفَأَمِنْتُمْ