نور، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم»
«١» . وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أي ويقال للمشركين: انفردوا اليوم أيها المجرمون عن المؤمنين حين يسار بهم إلى الجنة إذ لا دواء لألمكم ولا شفاء لسقمكم. أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ أي ألم أوص إليكم يا بَنِي آدَمَ على لسان رسلي أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ أي لا تطيعوه، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) أي ظاهر العداوة، فإذا جاءك شخص يأمرك بشيء فانظر إما أن يكون ذلك موافقا لأمر الله أولا، فإن لم يكن موافقا له فذلك الشخص معه الشيطان يأمرك بما يأمرك به، فإن أطعته فقد عبدت الشيطان، وإن دعتك نفسك إلى فعل، فانظر أهو مأذون فيه من جهة الشرع أولا، فإن لم يكن مأذونا فيه فنفسك هي الشيطان أو معها الشيطان يدعوك فإن اتبعته فقد عبدته، ثم إن الشيطان يأمر أولا بمخالفة الله ظاهرا فمن أطاعه فقد عبده، ومن لم يطعه فيقول له: اعبد الله كي لا تهان وليرتفع شأنك عند الناس وينتفع بك إخوانك، فإن أجاب إليه فقد عبده،
وَأَنِ اعْبُدُونِي، أي أطيعوني موحدين بي هذا أي التوحيد صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) أي طريق قريب آمن فاسلكوه وفي ضمن قوله تعالى: هذا صِراطٌ إشارة إلى أم الإنسان مار في الدنيا لا مقيم فيها. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أي وبالله لقد أضل الشيطان منكم يا بني آدم خلقا كثيرا قبلكم عن ذلك الصراط المستقيم الذي أمرتكم بالثبات عليه، فأصابهم لأجل ذلك ما أصابهم من العقوبات الهائلة. أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) ، أي أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم، أو أفلم تكونوا تعلمون ما صنع الشيطان بهم.
وقرأ نافع وعاصم «جبلا» بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وأبو عمرو وابن عامر بضم الجيم وسكون الموحدة. والباقون بضمهما واللام مخففة هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) أي كنتم توعدون بها في الدنيا على ألسنة الرسل عليهم السلام بمقابلة عبادة الشيطان، وبهذا يخاطب الكفار بعد تمام التوبيخ عند أشرافهم على شفير جهنم، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) أي ادخلوا جهنم من فوق، وقاسوا فنون عذابها اليوم بكفركم المستمر في الدنيا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) أي يعلمون من الشر، ورأى أنهم حين يسمعون قوله تعالى: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ينكرون كفركم فيشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم، فيحلفون ما كانوا مشركين، فيختم الله على أفواههم وينطق الله
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٣: ٣٨) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٨٥٨) ، وابن سعد في الطبقات (١: ١: ١٣٥) ، والقرطبي في التفسير (١٥: ٧٦) .