غير لسانهم من الجوارح، فيقرون بذنوبهم ولا يقدرون على الإنكار فكل عضو ينطق بما صدر منه فشهادتهم هو إقرارهم، وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ، أي ولو نشاء أن نطمس على أعينهم لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق، فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) ، أي فلو أرادوا سلوك الطريق الواضح المألوف لهم لا يقدرون عليه. والمراد أن قدرتنا إزالة نعمة البصر عنهم فيصيروا عميا لا يقدرون على التردد في الطريق لمصالحهم ولكن أبقينا عليهم نعمة البصر فضلا وكرما، فحقهم أن يشكروا عليها ولا يكفروا فهذا توبيخ، لهم كمال توبيخ وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ.
وقرأ شعبة «مكاناتهم» على الجمع، فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) ، أي ولو نشاء لحولنا صورهم وأبطلنا قواهم في منازلهم فلا يقدرون أن يبرحوا مكانهم بإقبال ولا إدبار ولا يرجعون إلى الحال الأول.
وعن ابن عباس: أي حولناهم قردة وخنازير. وقيل: أي حولناهم حجارة وعن قتادة لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم، وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أي ومن نطل عمره إطالة كثيرة نقلبه في خلق جسده وقواه الباطنية، فكل منهما ينقلب حاله فيرجع من القوة إلى الضعف حتى صار كأنه طفل.
وقرأ عاصم وحمزة بضم النون الأولى، وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة، والباقون بفتح الأولى وتسكين الثانية وضم الكاف أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) أي أيرون ذلك فلا يعقلون أن من قدر على ذلك يقدر على الطمس والمسخ، وإن عدم إيقاعهما لعدم تعلق مشيئته تعالى بهما.
وقرأ نافع وابن ذكوان «تعلقون» بالخطاب وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ، أي وما علمنا محمدا الشعر وليس القرآن بشعر، وهذا رد لما كانوا يقولون في حقه صلّى الله عليه وسلّم من أن محمدا شاعر وما يقوله شعر، وَما يَنْبَغِي لَهُ أي وما كان الشعر يليق به صلّى الله عليه وسلّم، ولا يصلح له، وذلك لأن الشعر يدعو إلى تغيير المعنى لمراعاة اللفظ والوزن، فالشارع يكون اللفظ منه تبعا للمعنى، والشاعر يكون المعنى منه تبعا للفظ، لأنه يقصد لفظا يصح به وزن الشعر أو قافيته، فيحتاج إلى التحيل لمعنى يأتي به لأجل ذلك اللفظ، ولو صدر من النبي صلّى الله عليه وسلّم كلام كثير موزون مقفى لا يكون شعرا لعدم قصده اللفظ، وإنما قصد المعنى فجاء على تلك الألفاظ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ أي ما القرآن إلا عظة من الله تعالى للثقلين، وَقُرْآنٌ أي كتاب جامع للأحكام كلها مُبِينٌ (٦٩) أي ظاهر أنه ليس من كلام البشر لِيُنْذِرَ، أي محمد كما يدل له قراءة نافع وابن عامر بالتاء على الخطاب أو القرآن، مَنْ كانَ حَيًّا أي عاقلا منهما أو مؤمنا في علم الله تعالى وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع به وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) ، أي ولتثبت كلمة العذاب على المصرين على