للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلها رموا مريم بالإفك ونسبوها إلى يوسف النجار فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) أي من الشاكين فيما بينت لك من تخليق عيسى بلا أب، والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم تحريكا له لزيادة ثباته على اليقين ولكل سامع لينزع عما يورث الامتراء،

ثم ذكر الله تعالى خصومة وفد نجران مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد ما بين لهم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم فقالوا: ليس كما تقول: إن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه فقال الله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ أي خاصمك من نصارى نجران فِيهِ أي في شأن عيسى مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي من الدلائل الموجبة للعلم بأن عيسى عبد الله ورسوله فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا أي نخرج بأنفسنا وَأَنْفُسَكُمْ أي اخرجوا بأنفسكم ثُمَّ نَبْتَهِلْ أي نجتهد في الدعاء ونخلصه أو نلاعن بيننا وبينكم فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ فيما بيننا عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) على الله في حق عيسى وهم من يقولون: إن عيسى ابن الله أو أنه إله.

روي أنه صلّى الله عليه وسلّم لما ذكر الدلائل على نصارى نجران، ثم إنهم أصروا على جهلهم فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم» فقالوا يا أبا القاسم: حتى نرجع فننظر في أمرنا، ثم نأتيك غدا فلما رجعوا إلى قومهم قالوا للعاقب- وكان ذا رأيهم-: يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال:

والله لقد عرفتم يا معشر النصارى إن محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتم إلا الإقامة عفى دينكم والإصرار على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم. فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد خرج من بيته إلى المسجد، وعليه مرط من شعر أسود، محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها رضي الله عنهم أجمعين وهو يقول لهؤلاء الأربعة: «إذا دعوت فأمنوا» . فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها ولو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تبتهلوا فتهلكوا، ثم قالوا يا أبا القاسم: رأينا أنا لا نباهلك وأن نثبت على ديننا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين» . فأبوا، فقال: «إني أناجزكم القتال» فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة. ألفا في صفر وألفا في رجب. وثلاثين درعا، وثلاثين فرسا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح فصالحهم رسول الله على ذلك

. إِنَّ هذا الذي ذكرت من الدلائل التي دلت على أن عيسى لم يكن الله ولا ولده، ولا شريكه، ومن الدعاء إلى المباهلة مع وفد نجران لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ دون أكاذيب النصارى وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ بلا شريك ولا ولد ولا زوجة وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب الذي لا يمنع القادر على جميع المقدورات الْحَكِيمُ (٦٢) أي العالم بجميع المعلومات وبجميع عواقب الأمور فذكر العزيز الحكيم هاهنا إشارة إلى الجواب عن النصارى في الشبهتين لعيسى القدرة على الإحياء ونحوه

<<  <  ج: ص:  >  >>