وحسن منظر. وقيل: معنى المعلوم إنهم يتيقنون دوام الرزق لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل، ومتى ينقطع. وقيل: معناه أن الرزق على قدر يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله وكرامته عليهم، فَواكِهُ وهو ما يؤكل لمجرد التلذذ دون الاقتيات، لأنهم مستغنون عن القوت، وهو بدل كل من رزق فالفواكه مساوية للرزق فتشمل الخبز واللحم، لأنهما يؤكلان في الجنة تلذذا، وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) عند الله تعالى لا يلحقهم هوان، لأن الأكل الخالي عن التعظيم يليق بالبهائم.
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) أي في جنات ليس فيها إلّا التنعيم، عَلى سُرُرٍ مكللة بالدر والياقوت والزبرجد، مُتَقابِلِينَ (٤٤) أي متواجهين في الزيارة لا يرى بعضهم قفا بعض، وفي بعض الأخبار أنهم إذا أرادوا القرب سار السرير تحتهم يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ أي بخمر أو بإناء فيه خمر، فالكأس يطلق عليهما مِنْ مَعِينٍ (٤٥) أي من نهر جار على وجه الأرض خارج من العيون، بَيْضاءَ مثل اللبن لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ أي ليس في شربها صداع في الرأس- كما قاله ابن عباس والليث- ولا وجع البطن- كما قاله قتادة- ولا أثم- كما قاله الكلبي-، وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) .
قرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الزاي أي يسكرون. والباقون بفتح الزاي أي يذهب عقولهم. وعن سببية أي بسبب الخمر وَعِنْدَهُمْ في الجنة قاصِراتُ الطَّرْفِ أي حور قصرن أبصارهن على أزواجهن لا يمددن طرفا إلى غيرهم عِينٌ (٤٨) أي كبار الأعين حسانها، كَأَنَّهُنَّ في الصفاء بَيْضٌ للنعام مَكْنُونٌ (٤٩) أي مصون عن القترة، شبههن ببيض النعام المصون من الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة، فإن ذلك أحسن ألوان الأبدان فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) . وهذا معطوف على «يطاف» ، أي يشربون ويتحادثون على الشراب فيقبل بعضهم على بعض يتساءلون عما جرى لهم وعليهم، وعن المعارف.
قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ أي من أهل الجنة في تضاعف محاوراتهم وهو يهوذا: إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) أي مصاحب في الدنيا يقال له: نطروس- وهما شريكان في بني إسرائيل أحدهما مؤمن وهو يهوذا، والآخر كافر وهو نطروس- يَقُولُ لي يوبخني على التصديق بالبعث والقيامة: أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) بالبعث ويقول تعجبا: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) ! أي لمحاسبون ومجاوزون. وقرئ «المصدقين» بتشديد الصاد.
وقيل: كان رجل تصدق بماله لوجه الله تعالى فافتقر، فاستجدى بعض إخوانه فقال: أين مالك؟ قال: تصدقت به ليعوضني الله تعالى في الآخرة خيرا منه. فقال: أإنك لمن المصدقين بيوم الدين أو من المتصدقين لطلب الثواب والله لا أعطيك شيئا، فيكون التعرض لذكر موتهم وكونهم ترابا وعظاما حينئذ لتأكيد إنكار الجزاء المبني على إنكار البعث. قالَ ذلك الرجل الذي هو من أهل الجنة لجلسائه: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين؟